لا يزال يتردد صدى اللقاء الصحافي مع جلالة الملكة رانيا العبدالله على شبكة "CNN"، الذي امتاز بعقلانية عرفت بها الملكة في الأوساط العالمية؛ فشكل اللقاء علامة فارقة في توضيح مسيرة المعاناة التي عاشها الفلسطيني ابتداء من النكبة وليس انتهاء بالنكسة إلى ما يعانيه المدنيون والأطفال والنساء اليوم في غزة، ومناطق الضفة الغربية التي باتت معزولة تماماً عن غزة.

اللقاء، وضع اليد على الجرح، وشكل إيضاحاً للمجتمعات الغربية حول القضية الفلسطينية وعدالتها لا سيما وأن جلالة الملكة معروفة لدى المجتمعات الغربية كصوت عقلاني مسموع وإيجابي يتحدث دوماً بالحقيقية، وهو ما كرسته ورسخته أم الحسين في هذا اللقاء المميز، الذي تناولت فيه جلالتها ببراعة منقطعة النظير ما يجري من ظلم وتنكيل بالفلسطينيين الذين يعيشون اليوم كما كانوا سابقاً حلم الدولة ويدفعون ثم هذا الحلم بدمائهم ودماء أطفالهم من دون أن تكترث لهم السياسات الغربية.

الصدى العالمي للقاء ما زال حاضراً.. وهو كلمة حق أوضحت المقصود للشعوب الغربية، وهي الأهم اليوم لدورها في التأثير على صناع القرار في الدول الغربية والضغط عليهم من أجل إيقاف هذه الحرب التي أخذت من أرواح الأطفال الفلسطينيين ما أخذت، مذكرة جلالتها أن الأم هي أم وأن الأم الفلسطينية كسواها ينفطر قلبها على طفلها الذي تراه للتو يعاني ما يعانيه بسبب الحرب.

ولعل من أبرز الآثار التي ترتبت على اللقاء، أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين لم يتمكنوا من الرد على كلام جلالتها، رغم محاولاتهم ذلك، فسقطوا أمام المنطق والعالم، ولم يتمكنوا من إيجاد الدليل على أن ما يقومون به في القطاع ليس جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية، التي يتذرعون بها، على اعتبار أن جيشهم "الأخلاقي"، كما يصفونه يقوم بما يقوم لأهداف عسكرية.. أي أهداف في قتل طفل رضيع أو سيدة يتم قصفها في منزلها أو رجل مسن أو مستشفى أو مسجد أو مدرسة!

نحن بحاجة إلى هذا الخطاب المتقدم، وليس هذا فحسب، بل نحن بحاجة إلى إعلام ممول عربياً يخاطب الغرب باللغة الإنجليزية والفرنسية
والألمانية، يتحدث عن المعاناة وعن الظروف التي يعيشها الناس، كما هو الحال بالنسبة للقنوات العربية الممولة أجنبياً والتي توجه الرسائل من هذه الدول إلى الداخل العربي.. هذا الإعلام اليوم ليس ترفاً، بل هو ضرورة وليه أهمية كبيرة، فلا يجب الاقتصار فقط على الإعلام المحلي أو الإقليمي؛ إذ لا بد من ثورة إعلامية عربية تمكن الغرب من الاطلاع عما يجري.

خطاب جلالة الملكة كان شاملاً وكافياً ووافياً وأوصل رسالة واضحة للعالم الغربي أن في غزة عائلات وأطفال ونساء.. وأن أمهات غزة كأي أمهات يحزن ويبكين فلذات أكبادهن وأن عدم إيقاف الحرب يعني "إبادة جماعية"، لأشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في "غزة".