رفض شمعون بيريز في أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل عام 1994، فكرة تجريد المستوطنين من السلاح، وفكرة حماية الفلسطينيين بقوات دولية، واستباح أيامها الحاخام "شلومو ابتير" سفك الدم العربي، وكذلك الحاخام "مئير لاو" الذي قال "لدي انطباعاً بأن طاقات جدية قد انطلقت، ونحتاج إلى قدرة بشرية من أجل تهدئتها".
وفي أعقاب المجزرة المروعة، قلت أن المستوطنات هي مجموعة شوكات في الخاصرة الفلسطينية، وقلاع ومخافر مسلحة، وأبراح مراقبة، ومراكز استخبارات، وشبكة مافيا لاستغلال المنطقة وإرهاب أهلها، وهي استعمار مباشر لم تنجح اتفاقات أوسلو، والقاهرة، ومفاوضات واشنطن، واتفاق الخليل، في معالجتها، أو التخفيف من وطأة خطورتها وتسمينها، وكانت مجزرة الخليل برميل بارود انفجر في وجه تلك الاتفاقات الهشة، وقلت أنه إذا لم يتضمن إعلان المبادئ حلاً، أو حتى بداية حل للشبكة الاستعمارية الاستيطانية، فإن السبب يعود إلى حالة الضعف العربي العام، وثمرة تنازلات بدأت منذ عقود، وأن لا أحد يستطيع أن "يفرمل" مشاريع الثأر والانتقام، ولا أحد يستطيع ضبط المجموعات المتطرفة، وأن التعايش بين المستوطنين والفلسطينيين، بات أمراً مستحيلاً.
اليوم نواجه مرحلة جديدة غير مسبوقة منذ قيام الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين، تشبه إلى حد بعيد مشهد عصابات الهاغاناه، والأرغون، وشتيرن قبل وبعد عام 1948، وما ارتكبته من قتل للشعب الفلسطيني الأعزل. اليوم ترتكب إسرائيل حماقة جديدة بتسليح المستوطنين، وتسهيل شروط حصولهم على السلاح، وانبرى "بن غفير" لإنجاز مهمة ستحول المجتمع الإسرائيلي بكامله إلى عسكر قابل للقتل، وما أن تسلّم المستوطنين السلاح، حتى باشروا في استخدامه في قتل الفلسطينيين الذين يقطفون الزيتون، يقتلون، ويأخذون معهم قطاف الزيتون، ومنهم من يحرق بساتين الزيتون، ومنهم من يمنع المزارع الفلسطيني من قطاف العنب عن الدوالي، ومنهم من قتل "بلال"، ابن قرية الساوية الذي كان يبيع حتى قبل أيام، على رصيف شارع في رام الله، الميرمية والزعتر، والصبر، والتين، خرج لقطف الزيتون، فقتله مستوطن برصاصة في صدره، وليست هذه أول حادثة قتل على يد المستوطنين، كل يوم يسقط فلسطيني برصاص مستوطن، ولا حساب ولا عقاب، كل مستوطن قاض وجلاد، قادر على القتل والإفلات من السؤال، هذا ما يحدث عندما ينفلت السلاح بيد حاقد متعطش للقتل.
الجندي والمستوطن سواء، كل يقتل على طريقته، كل منهم يمارس الإرهاب والرعب في نفوس الفلسطنيين، ليس الجنود فقط هم من يتجولون في الطرقات، ويداهمون البيوت ليرهبوا المدنيين، المستوطن يقوم بدوره وعلى طريقته، وإحدى الطرق هي حرق البيت بأهله كما فعل المستوطنون في بيت الدوابشة في قرية دوما عام 2015، حرقوا الرضيع علي وعمره 18 شهراً، وتوفي والده سعد في المستشفى لاحقاً، كما توفيت الأم ريهام حسين دوابشة في مستشفى "تل هشومير".
هذا جنون غير مسبوق، واحتلال متوحش غير مسبوق، وانتهاكات لكل الحقوق الإنسانية، لم يشهد العصر الحديث لها مثيلاً، كل مستوطنة خازوق، وكل مستوطن يضع يده على الزناد، لا للدفاع عن نفسه، بل لاقتناص ضحية من ضحاياه، والكراهية تجري في دمه، متعطش للقتل، و"بن غفير" يواصل توزيع الأسلحة، ولكن ذلك الجنون كله، لن يقود المنطقة إلا إلى مزيد من العنف، تتغير معه أدوات المواجهة، وأساليب النضال والدفاع عن عند الجانب الفلسطيني، لحماية روحه، وأهله، وثمار أرضه من العنب والزيتون والزعتر، ولكني لا أستبعد أن يقوم المستوطنين في الأيام القادمة، تحت لافتة إسرائيلية رسمية خضراء، بارتكاب مجزرة لا تقل دموية عن ما حدث في الخليل ليلة المنتصف من رمضان عام 1994 .