العقلانية الملكية و"الغضب" الإسرائيلي
رانيا تادرس
30-10-2023 07:33 AM
قبل 29 عاما وقع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام بينهما في 26/10/1994، وقبل المغفور له الملك حسين ما قبل به الأشقاء الفلسطينون في أوسلو 1993 وكان الأمر بالنسبة لنا ولا يزال السلام الذي نسعى من ورائه إلى دولة فلسطينية على حدودنا الغربية وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة على حدود حزيران 1967.
مرت ذكرى المعاهدة قبل أيام قليلة، في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرب ابادة مباشرة ويومية على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة وتجدد دعوات يمينية متطرفة وقديمة في إسرائيل عن تهجير الشعب الفلسطيني في نكبة ثانية نحو مصر والأردن، في حين أن معاهدة السلام باعتبارها وثيقة قانونية تجعل الحديث عن التهجير القسري نحو اوطان بديلة جريمة حرب يمكن إضافتها إلى سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والتشريعات الدولية.
الموقف الأردني من العدوان على غزة أدرجته أوساط يمينية وإعلامية إسرائيلية في تناولها لمعاهدة السلام بين البلدين والموقف الأردني الرسمي القوي والحاسم من الحرب على غزة، لا سيما تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة القاهرة ولقاء جلالة الملكة رانيا مع شبكة (سي ان ان) والمواقف السياسية في المجتمع الدولي ومجلس الأمن، إلى جانب النشاط الدبلوماسي المكثف لوزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي وتصريحاته الإعلامية الرافضة للتهجير واعتباره اعلان حرب من إسرائيل على الأردن.
تخطئ الدوائر السياسية والإعلامية الإسرائيلية وهي تستعيد ذكرى معاهدة السلام حين تطالب الأردن ضمنيا بالحياد والتخلي عن مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني. معاهدة السلام لا تعني أن يصمت الأردن على حرب إبادة تنتهك فيها إسرائيل كل قوانين الحروب وتهدد بإشعال المنطقة بأكملها.. ولا يعني ان التهجير خط اردني احمر.
مصدر الغضب الإسرائيلي أن الصدى العالمي الواسع لتصريحات جلالة الملك المتلفزة بالإنجليزية كشف كثيرا من أكاذيب الدعاية والتضليل، ووضع العالم في مواجهة كارثة إنسانية كبرى في غزة، ومن المعروف أن المصداقية التي يتمتع بها جلالته دوليا كصانع سلام تفتح آذان الرأي العام العالمي نحو رواية أردنية تطرحها دولة تؤمن بالسلام.
القراءة الملكية العقلانية والمنصفة جعلت وسائل اعلام غربية عديدة تفتح النقاش حول حقيقة الجريمة التي يرتكبها الاحتلال في غزة بعدما أوضح جلالة الملك أن حل الدولتين هو الكفيل والسبيل الوحيد ليكون للفلسطينيين كيان ودولة مستقلة وان دائرة الحروب والصراعات ستستمر في هذه المنطقة ما دامت حياة الفلسطينيين غير مهمة.
وجاءت مقابلة جلالة الملكة رانيا مع الإعلامية المخضرمة كريستيان أمانبور لتضع النقاط على الحروف في جوانب متعددة من الصورة المنقولة العالم عن ما يحدث في غزة، وجلالتها شخصية مؤثرة ومرموقة دوليا يتابعها الملايين في العالم واستطاعت أن تلفت الانظار الاعلامية الى أن (الجميع في أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك الأردن، مصدومون ومحبطون من ردة فعل العالم تجاه هذه الكارثة المستمرة..في الأسابيع الماضية شهدنا معيارا مزدوجا صارخا في العالم..).
الأردن بقيادته وما اكتسبته من ثقة واحترام دولي يشكل الآن أكبر الداعمين للصوت الفلسطيني لكل يصل الى العالم كله دون شوائب الدعاية الإسرائيلية عن هذا الصراع الذي لم يبدأ في السابع من تشرين الاول 2023.
"الرأي"