حديث الحقيقة في مقابلة جلالة الملكة
فيصل تايه
29-10-2023 02:35 PM
خلال حوارها مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أحرجت جلالة الملكة رانيا العبدالله مقدمة برنامج المقابلات الحواري الصحفية المعروفة "كريستيان أمانبور" بسؤالها عن تبني قناتها رواية "قطع رؤوس الأطفال" الإسرائيلية الكاذبة ، حين نشرت على شبكتها في بداية حرب "غزة" عنوانا رئيسيا عن العثور على أطفال إسرائيليين "مقطوعي الرأس" دون التحقق من المعلومة المنشورة بشكل مستقل ، اذ تساءلت جلالة الملكة متوجهة للصحفية معاتبة بالسؤال : "هل يمكنك نشر ادعاء مدمر مثل هذا ، ولم يتم التحقق منه، إذا كان صادرا من الفلسطينيين؟!" ، وهو ما دفع الصحفية إلى تدارك هذا الاحراج لقناتها بالالتفاف والانتقال الى سؤال آخر .
لقد كان لقاء جلالة الملكة رانيا العبد الله من الاهميه بمكان في ظل ضعف الخطاب الاعلامي العربي الهزيل ، وهو رساله موجهه للعالم اجمع وتبيان للحقيقة المتوارية التي اراد العدو طمسها بفعل قوة خطابه الإعلامي الموجه ، واستحواذه على العديد من القنوات الاخبارية العالمية ذائه السيط ، وذات التأثير الإعلامي الواسع ، اذ اعتاد من خلالها سرد القليل من الحقائق مقابل صناعة الكثير من الأكاذيب ، فلم يحتمل سماع رأي مخالف لما اسرده الى العالم لتبرير عدوانه على غزة عبر أكاذيبه المعروفة ، ولم يتمكن من تقديم الدلائل عليها، فبدأ مؤخراً هجوما اعلامياً كبيرا على الأردن بسبب موقفه الرافض للعدوان على غزة ، خاصة بعد تصريحات جلالة للملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي أدان العدوان على غزة ووصفه بالغاشم ، اضافة لحديث جلالة الملكة الصريح والواضح عبر شبكة ال سي ان ان ، حين أعربت خلال المقابلة عن خيبة أمل العالم العربي من "المعايير المزدوجة الصارخة" في العالم و"الصمت الذي صم الآذان" في وجه الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والذي يتفاعل بشكل صارخ مع الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في الضفة والقطاع ، مؤكدة موقف الأردن الأدبي والأخلاقي الواضح في إدانة قتل أي مدني.
ان ما تحدثت به جلاله الملكة في اللقاء ، جاء ليؤكد وبكل صراحة ووضوح الانتهاكات والتجاوزات الصارخة ضد المدنيين ، ما اغضب المسؤولين الإسرائيلين تجاه الحقائق التي قالتها جلالتها ، والتي يريدون طمسها ، بل يريدون من العالم تبني روايتهم ، لكن جلالتها كانت ترسل رسائل مقنعه بكل هدوء ، واشارت باللوم الى بعض دول العالم فيما بتعلق "بالازدوجية" الصارخة في المعايير كما سبق واشرت ، حين يدين العالم الغربي هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي ، لكنه يقف صامتًا أمام الانتهاكات التي تحدث في قطاع غزة والضفة، بينما ترتكب إسرائيل أعمالا وحشية تحت غطاء الدفاع عن النفس، وفي نفس لوقت نرى مجازر دامية باستخدام أسلحة عالية الدقة ، تمت بها إبادة عائلات بأكملها، وتسوية أحياء سكنية بالأرض، واستهداف المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد والعاملين في المجال الطبي والصحفيين وعمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة ، فكيف يعتبر هذا دفاعا عن النفس؟
لذلك ، ورغم كل تلك الانتهاكات ، فلا يوجد حتى أي تصريحات بالإدانة أو دعوات لوقف إطلاق النار من اي قوى عالمية مؤثرة ، في حين ان المجتمع الدولي أظهر الدعم الفوري لإسرائيل ، بينما يبدو صامتًا أمام القصف الوحشي المستمر على قطاع غزة ، ولم يبدي قلقه أو الإقرار بالضحايا ، ف "هذه المرة الأولى في التاريخ الحديث التي نشهد فيها مثل هذه المعاناة الإنسانية والعالم حتى لا يدعو إلى وقف إطلاق النار" ، وذلك سبب صدمة حقيقية وخيبة للأمل لمواطني الشرق الأوسط بما في ذلك الأردن .
اقولها بصراحة ، اننا كنا متعطشين الى مثل هذه اللقاءات الموجهه ، والى ما تضمنته من افكار وطروحات جاءت على لسان جلالة الملكة في وقتها ، خاصة ما نقلته جلالتها للعالم من وقائع بصورتها الحقيقية ، باعتبار جلالتها لها حضورها القوي المستمد من حضور جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الساحة الدولية ، متحدثة عن ما يواجهه الاطفال والنساء والشيوخ في غزة وعن ما تشعر به قائلة: «لا يمكنني وصف عمق الألم والصدمة التي نشعر بها في الأردن.. فلا نستطيع تصديق الصور التي نراها يوميًا لمآسي ومعاناة المواطنين في غزة»، مضيفة: «أن تلك الصور والمشاهد التي نراها ونحن ذاهبون للنوم ونستيقظ على صور أسوء، لا أعرف كأم كيف يمكن التعامل مع مثل تلك الأمور بشكل يومي» ، وتابعت : «شاهدت أمهات فلسطينيات قمن بكتابة أسماء أطفالهن على أيديهم، لأن احتمالية قصفهم حتى الموت وتحول أجسادهم إلى جثث مجهولة مرتفع جدا» ، فالأمهات الفلسطينيات يواجهن أزمات لا تصدق .
لقد وضعت جلالة الملكة رانيا العالم أمام مسؤولياته الإنسانية ، وأوضحت للضمير الانساني العاطفي أنّ الأمهات الفلسطينيات في قطاع غزة كأي أمهات بالعالم، لكنهن مضطرات إلى مواجهة القصف والعنف بشكل لا يصدق، وأكدت على أن الجميع في الوطن العربي والأردن يشعرون بالصدمة والاحباط من رد فعل العالم على هذه الكارثة ، اذ ان الكثير في منطقتنا يعتبر العالم الغربي متورطًا من خلال تقديم الدعم والغطاء اللذين يتم منحهما لإسرائيل تحت حجة الدفاع عن النفس .
وأخيرا فان مجمل الحقائق والتساؤلات التي طرحتها جلالتها قد كان لها صدى واسع في الضمير الكوني ، مشيرة في حديثها عن قمع مظاهر التضامن مع الفلسطينيين في الديمقراطيات الغربية ، وأنه "عندما يحتشد الناس لدعم إسرائيل فإنهم يمارسون حقهم في التجمع ، لكن عندما يجتمعون من أجل فلسطين يعتبرون متعاطفين مع الإرهابيين أو معادين للسامية".
بقي ان اقول كما قالت جلاتها : " ان حرية التعبير هي قيمة عالمية ، إلا عندما تذكر فلسطين".
وآلله ولي الصابرين