ما فعلته إسرائيل في غزة أفجعنا، لكنه لم يفاجئنا، فلهذا الكيان الغاصب معنا تاريخ طويل من التوحش والهمجية، ولديه ما يلزم من مرتكزاتها، الدينية والسياسية والعسكرية، آخر فتوى من لجنة حاخامات الضفة الغربية وقطاع غزة تؤكد بوضوح أن « التوراة» تبيح الاعتداء على النساء والأطفال، وتعتبرهم قتلة يستحقون الذبح، ومن يقتلهم يجب أن لا يشعر بتأنيب الضمير، هذا خبرناه ونعرفه، لكن أليس من حقنا، الآن، أن نسأل : لماذا تكرهوننا في الغرب ؟ ولماذا ترددون رواية الاحتلال بأن هذه الحرب هي حرب الحضارة، بين الاخيار الأشرار، أو بين أهل التحضر والتطرف، ولماذا ترسلون عسكركم وعتادكم لمشاركة المحتل في قتلنا ؟
الإجابة السياسية معروفة، إسرائيل هي قلعة الغرب ومشروعه في هذه المنطقة، ولو لم تكن موجودة (كما قال الرئيس الأمريكي بايدن)، لأوجدناها، ما يعني أنها جزء أصيل من الغرب، ومحمية من محمياته، وتفسير ذلك معروف تاريخيا، كما أنه مفهوم في سياق المصالح وفرض الهيمنة وترسيم مناطق النفوذ، لكن المخجل والمعيب أن تغيب عنا، احيانا، هذه المسألة، او نتجاهلها، فنصدق، للحظة، ما يصدر عن هذا الغرب من سرديات عن حقوق الإنسان وحق الدفاع عن النفس، وعن المواثيق الدولية وعن التحضر الإنساني، هذه الأكاذيب التي تفجرت في بلادنا العربية والإسلامية آلاف المرات، فجرتها البارجات والطائرات الغازية، أو قرارات الفيتو التي شرعنت احتلال بلادنا، وتدميرها أيضا.
في وقت مضى، قبل أكثر من 20، طرحتم علينا ذات السؤال، لماذا تكرهوننا؟ كان ذلك بعد حادثة 11 سبتمبر، وكانت إجاباتنا واضحة، هؤلاء الذين اقترفوا الجريمة لا يمثلون أمتنا، ولا يتحدثون باسمنا، ونحن أبرياء منهم، تحركت دولنا وحكوماتنا عشرات المرات لتشارك حكوماتكم التضامن مع ضحايا التطرف والإرهاب، حدث ذلك مع فرنسا بعد اعتداءات باريس، ومع بريطانيا بعد واقعة البرلمان، ومع غيرهما من الدول التي تقود مركب الكراهية ضد غزة، وضد أمتنا أيضا، المفارقة الآن أن من يمارس الإرهاب علينا هو هذه الدول والحكومات، وليس أفراد متطرفين محسوبين عليها، وأن من يتصدى لقتل أطفالنا ونسائنا في غزة، باسم القانون الدولي المعطل، هم رؤساء وقادة ومسؤولون.
أقول لكم : نحن في هذه المنطقة مهد الحضارات، الحضارة الإنسانية خرجت من هنا، وحضارتنا التي يشهد العالم على أخلاقياتها هي التي سوف تنتصر، أقول لكم، أيضا، أنتم من يمارس الإرهاب ضدنا، وهو إرهاب رسمي معلن ومشرعن، لا علاقة لشعوبكم به، نحن لم نغزو بلادكم، ولم نحتلها، ولا نبادلكم الكراهية، لكن من واجبنا أن نصارحكم : إن من أيقظ مارد التطرف في بعض أجيالنا هو أنتم، وإن من سيخرجه بعد حرب غزة من تحت الرماد هو أنتم، فلا تلوموا أحدا إلا أنفسكم، ولا تنتظروا أن نتضامن معكم، بعد أن أشهرتم أسلحتكم في وجوهنا.
صحيح، ربما تكرهوننا لأننا ضعفاء، أو ربما ما يزال صدى الحروب الصليبية على بلادنا يتردد في أذهانكم تحت شهوة الانتقام، أو ربما تعتقدون أننا نهدد أمنكم وحضارتكم، ونريد أن نحرركم من جهالاتكم (!)، وربما أيضا تنظرون إلينا كحيوانات إنسانية، لا بأس، نحن نسأل، أيضا، : ماذا فعلنا بأنفسنا لكي يكرهوننا؟ الإجابات لدينا معروفة وواضحة، لكن أقول لكم أيها الغرب بصدق : ما فعلتموه في غزة أكبر من أن ننساه، أو أن يعبر ذاكرتنا المزدحمة بجرائم المحتل الذي وقفتم معه، واستنفرتم من أجله، هذه الجرائم التي تتحملون مسؤولية المشاركة فيها، سيتوارثها أطفالنا الذين خرجوا من تحت أنقاض العمارات المهدمة في غزة، أو الذين بكوا على قبور أمهاتهم وآبائهم الشهداء، لن تغادر ذاكرتهم أبدا، وستلد، بالتأكيد، انفجارات تطرف وكراهية أكبر مما شهدته غزة، وستعم العالم، كل العالم، تذكروا وقتها أنها صناعة أيديكم أنتم، ونحن أبرياء منها.
الأيام دول، وكما تدين تدان.
الدستور