جلالة الملكة رانيا وجدلية المعايير المزدوجة والدفاع عن النفس
النائب د. فايز بصبوص
28-10-2023 12:41 AM
جلالة الملكة رانيا العبدالله تضع النقاط على الحروف في لقائها التاريخي مع قناة السي ان ان الإخبارية الأشهر عالميا وهذه المقابلة تتطلب تحليلا موسعا لما تمثله جلالتها من احترام عالمي ودولي ولذلك سأختصر مضامين الجدلية السردية والتناقص الإعلامي بين مفهوم الحق بالدفاع وازدواجية المعايير.
فقد كانت جلالة الملكة قادرة على قيادة الحوار من خلال مداخلاتها المعبرة عن عمق حتى القاع في تفاصيل القضية الفلسطينية ومصلحة الأردن العليا.
فكانت من خلال مقابلتها الصحفية الأكثر شهرة في المحطة كريستان تستشف مضمون وجوهر السؤال بغض النظر عن تغليفه الشكلي فكان المضمون جوابها والظاهر والشكل أسئلة كريستان والتي فخخت كثيرا من الأسئلة فطغى جواب الأنسنة لجلالة الملكة رانيا العبدالله من خلال استلامها لزمام المبادأة والمبادرة وتركيزها على ازدواجية المعايير في التعامل مع الانسان وان النظر الى القضية الفلسطينية ومحورتها في السابع من أكتوبر تعتبر اجحافا حقيقيا بالنظر الى القضية الفلسطينية والتي اصبح عمرها 75 عاما من الاحتلال والقهر والحواجز والتضييق على الفلسطينيين والحروب التي خاضتها إسرائيل على مدار التاريخ ضد الشعب الفلسطيني كل ذلك التاريخ تختصرونه بيوم 7 أكتوبر مركزين على استهداف من قبل حماس للمدنيين هذه الساعات القليلة قد كانت هي محور اصيل في الهجوم الإعلامي الغير مسبوق لشيطنة حركة حماس وغاب التاريخ الكامل لهذه القضية من اجندتكم الإعلامية.
أيضا منذ 7 أكتوبر لهذا اليوم وعملية التطهير العرقي والفصل العنصري الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد الأطفال والنساء والشيوخ والتي نشرت كثيرا من مقاطع الام الفلسطينية على حسابي على الانستغرام للام الفلسطينية التي فقدت اطفالها وفلذات كبدها وأود ان اعلمك كما قالت جلالة الملكة بأن الام الفلسطينية من اكثر نساء العالم حبا وانتماء لأبنائهن واطفالهن.
وحتى توضح جلالتها مدى بشاعة ووحشية العدوان الإسرائيلي فمنذ 7 أكتوبر الى هذه اللحظة فقد استشهد 6000 مدني فلسطيني حتى الان منهم 2400 طفل ولا يقال في اعلامكم الا أسطوانة مشروخة واحدة أي تكرار انه يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها.
وكما أوضحت جلالتها » ان الحديث عن الحق في الدفاع عن نفسها لا يوضح الحقيقة بأكملها فهو لا يتحدث عن قصة خرق للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولا يخبرك عن المعاناة وقصة الاحتلال الإسرائيلي والتي تنتهك ما لا يقل عن 30 قرارا متعلقا لمجلس الامن في الأمم المتحدة تطالبها فيها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 67 ووقف الاستيطان والجدار العازل وانتهاكات حقوق الانسان هذا جوهر القضية وليس التركيز المفرط على حماس.
وبعدها استرسلت جلالتها بذكاء وقدرة هائلة على توضيح كل ما في الوجدان العربي من الالام واهات التي شكلتها وتشكلها المعايير المزدوجة لهذا العالم حتى انتم في هذه المحطة قالت جلالتها اعتمدتم على الرواية المفبركة والتي تبناها الرئيس الأمريكي وانتم تبنيتموها في محطتكم كعنوان رئيسي وظهر لاحقا انها قصة ملفقة.
لن نسترسل في تشخيص جوهر هذه المقابلة من خلال بعدها الإنساني وذلك لان جلالة الملكة تعبر عن حس انساني استثنائي وهذه السمة تتقاطع عليها كل الشخصيات والمؤسسات الدولية وانها ملكة وام وتربوية وانسانة لكن المفاجئ ان قدرتها على الرد على تلك المذيعة الأشهر فقد وضعتها في الاطار السياسي وتكاملها مع الوجدان العربي أولا والاجماع الأردني ثانيا والاصطفاف المطلق خلف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين بتماسك واسناد قل نظيره وهنا اود ان انوه ان هذا الحديث كان ردا على سؤال من قبل الصحفية تتكلم فيه عن الاحتجاجات في الأردن وحجمها الهائل كانت تستهدف من خلاله ان تستشف ان التطور على الأرض ممكن ان يؤدي الى عدم استقرار وامن بالأردن وقالت لها بشكل مباشر ودون مراوغة وبراغماتية » اننا سنشعر بالقلق ان كان هناك انقسام لكننا بالتأكيد متوحدون تماما في موقفنا كلنا في الأردن نؤمن بالأمر ذاته نشعر جميعا بذات الألم ونريد الشيء نفسه ولذلك اعتقد ان هناك وحدة مطلقة في العالم العربي مرتكزا على الشعور الاتي هل حياتنا اقل أهمية»؟
وهنا ابدعت جلالة الملكة في توضيح مفهوم غائب حقيقة عن كثير من المراقبين السياسيين والعالم الصحفي بجواب وسؤال بنفس الوقت يرتقي لمستوى يحدد طبيعة منطلقاتها النظرية والمعرفية في خفايا المستترة خلف أسئلة الإعلاميين المخضرمين والفلسفية والفكرية والروحية التي ادهشتني في اطار المقارن وقالت جلالة الملكة عندما «يمثل احد القضية الفلسطينية امام الصحافة او في المقابلات يجب ان تمتحن إنسانيتهم في بداية المقابلة وعليهم تقديم أوراق اعتمادهم الاخلاقية بإجابة سؤال هل تدين؟ ونحن لا نرى مطالبة المسؤولين الإسرائيليين بالإدانة؟ عندما يتم ذلك يتقبل الناس بسهولة حقنا بالدفاع عن انفسنا لم أر مسؤولا غربيا قط يقول هذه الجملة للفلسطينيين الحق في الدفاع عن انفسهم ولذلك فأننا نرى هذا حتى في الديمقراطيات الغربية يبدو ان حرية التعبير هي قيمة عالمية الا عندما تذكر فلسطين» وأضافت جلالة الملكة بذكاء خارق معممة ومرسخة في ذهنية الصحفية والمحطة الدولية تكرار المعايير المزدوجة والتي انتصرت بترسيخ مصطلح المعايير المزدوجة على مجمل اللقاء المضاد لمفهوم مصطلح الدفاع عن النفس الحصري لإسرائيل.
وهنا نلاحظ ان الاستفسارات التي دمجتها جلالة الملكة خلال مداخلتها والاسئلة قد افقدت الصحفية سلاحها الاستراتيجي في محاولة ترسيخ ومركزة الوعي للمشاهد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس محولة جلالة الملكة بذكاء استثنائي مصطلح ازدواجية المعايير كمحور سيطر على وعي المشاهد مهما كانت جنسيته عندما اضافت ما يلي » عندما يحتشد الناس لدعم إسرائيل فانهم يمارسون حقهم في التجمع لكن عندما يجتمعون من اجل فلسطين يعتبرون متعاطفون مع الإرهابيين او معادين للسامية لذا فنحن نرى هذه المعايير المزدوجة التي تخلق خيبة امل في العالم العربي ولدى الكثيرين ممن يرون الظلم «
وفي سياق ذلك لم تستطع هذه الصحفية المخضرمة ان ترد بشكل مقنع على ما جاء على لسان جلالتها من معرفة تفصيلية في الاحداث السياسية ودون تردد او تلكئ كانت اجاباتها ترتقي لمستوى اكثر المخضرمين الدبلوماسيين ومراكز البحوث.
ورغم ذلك فقد طبعت في ذهنية المشاهد انها رغم هذه القدرة السياسية لا يمكن ان تنتزع من جلالتها ذلك البعد الإنساني وتشعر من خلال هذه المقابلة عن صلابة مستمدة من القدرة الاستشرافية لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وحزمه وجسارته عندما يتعلق الامر بالقضايا المصيرية والثوابت القيمية.
وان كل ذلك قد شكل انطباعا حقيقيا انها تبحث من خلال دبلوماسيتها وردودها عن جواب لسؤال قابع في اللاوعي عند كل عربي ومظلوم وخاصة فلسطيني.
متى سنشعر ان السياسة يجب ان تتماهى والبعد الإنساني أي انها رغم اجوبتها الصارمة والحازمة كانت تذهب وتعلم تلك الصحفية عن اهمية أنسنه السلوك السياسي للدول والنخب وهو البعد الأخير في رؤية وترسيخ ازدواجية المعايير.
فأنسنة السلوك السياسي تعني العدالة المطلقة.
نشكر لك جلالة الملكة على لقائك الذي عبر عن وجداننا وعن حسنا واخلاقنا وديننا عندما اعدت التذكير بان قواعد الاشتباك عند المسلمين تتمحور حول العهدة العمرية على اعتاب القدس عندما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تقتلوا كهلا او طفلا او امرأة او تهدموا كنيسة وتقتلوا كاهنا ولا تقطعوا شجره فهذه هي قواعد الاشتباك للمسلمين والتي اقرت بعد قرون في معاهدة جنيف.
لذلك اننا نقدر لك مفهوم أنسنة السلوك السياسي وأنسنه السلوك الصحفي وصولا الى العدالة في قراءة الواقع الموضوعي بعوامل ذاتية تنبع وتظهر على محياها الإنساني وقدرتها على فك وتركيب وعي الصحفية المخضرمة اتجاه الكلية في قراءة الاحداث لان التجانس والعدالة والتوازن هو ما يشكل الحقيقة الكلية. فالكل يا سيدتي في هذا الوطن وحدة متجانسة نسير خلفكم دون تردد ودون تهور فثقتنا مطلقة وزادت خلال ما انعكس على محياك من حزن والم وحس بالظلم الذي يتغاضى عنه العالم تحت شعار يحق لهم ما لا يحق لنا.
الرأي