اختار السياسي الأردني والصحفي السابق أيمن الصفدي قافية توحي بمهابة الموقف، وهي مهابة ناشئة عن حب وإيمان مطلق بالقضية الفلسطينية لا عن صرامة أو اصطناع، وجاءت هذه القافية النادرة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ممثلاً للمملكة وناقلاً رأيها بأمانة، ونيابة عن المجموعة العربية، لتصور شخصية بلغت ذروة الإجماع العربي على زعامة ودور الأردن التي حققت أركان التكافل والتعاضد مع شعب فلسطين وسعيه لنيل حريته.
كلمة الأردن والمجموعة العربية أقرب إلى الوقار البروتوكولي اللائق بمراسم الاحترام والتبجيل الممتزج بالإصرار، وكأنه يقرأ قصيدته الثورية الممتلئة بقوافي التنوين والمد في نهاية كلّ بيت.
بذل الصفدي جُهداً عقلياً موفقا في صياغة الفكرة المرتبطة بالتدليل على حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، كمطلب رئيس لضمان الأمن والاستقرار في كامل المنطقة.
كان الصفدي في هذا الجهد الذي بذله صادقاً في التعبير عن أهم مطالب الأردن والجماهير العربية، وإحقاق الحق الفلسطيني بالأرض التي ولد ونشأ بها كابراً عن كابر.
كان لكلمته قافية توحي بمهابة الموقف، وهي مهابة ناشئة عن حب وتقدير لا عن صرامة أو اصطناع، وجاءت هذه الكلمة للتأكيد على الإجماع العربي بضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل لقضية العرب الأولى والأهم، ووقف فوري للهجوم الوحشي على أهلنا في غزة.
ومن ناحية الموضوع فقد بذل الصفدي جُهداً عقلياً موفقا في صياغة الفكرة المرتبطة بالتدليل على أن القضية الفلسطينية والقصف الهمجي الحالي على غزة أقرب ما يكون لوصفه ابادة جماعية، وكل متابع للخطاب يستطيع أن يفهم مدى الإيمان الحقيقي الذي كان الصفدي يُكنه لمشروع القرار العربي ويأمل فيه الخير لأمته.
مؤرّخ، تحدث بثقة، وصف حال الشعب في غزة، وأشار إلى عائلة الصحفي الدحدوح في غزة والتي نزحت من أماكن القصف إلى الأماكن الآمنة " التي صرح بها الجيش الاسرائيلي " ليتم قصفهم هناك وهم أطفال ونساء.
رمز إلى ذلك وكأنه يصف حركة الأعلام الخافقة المتعانقة في السماء، ولجأ إلى تصوير حركتها هذه كأثر طبيعي من هتاف الجماهير التي ترقص بفعل ارتفاع صوت هذا الهتاف، وعلو قيمته، وكأنها عذراء هيفاء ترقص على نغم محرك للمشاعر.
لخص الصفدي السياسة الأردنية وأماني الوطن وأجاد التلخيص، معتمداً على عقيدته واعتماده على الإيمان الذي أفاضه الأردن عليه فجعله يصدع به الظّلم الواقع على غزة.
دائماً ما تغنى الأردن بالعلاقة التوأمية الخاصة مع فلسطين، وغالباً ما سعى لتحقيق الآمال ودافع بشراسة الفارس الملثم عن كامل المقدسات الإسلامية والمسيحية، واليوم كعادته لم يلجأ إلى التصوير المخالف للمعهود، وإنما لجأ إلى الصور التقليدية الكفيلة بتحقيق الانطباع الذهني الذكي المتوافق مع حركة التاريخ الأردني الذي أكد على مركزية القضية الفلسطينية، وعلى ضرورة السعي إلى تحقيق السلام العادل والشامل الذي تقبله الشعوب ويرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بوصفه المخرج الوحيد من حالة الصراع التي ألقت بظلالها الثقيلة على جميع شعوب المنطقة، ومواجهة الغزو الهمجي المستمر على غزة، والسلوك العدواني تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق.
أتت ورقة المشروع العربي لدعم جميع الجهود التي من شأنها كسر الجمود في عملية السلام تجاه مفاوضات مباشرة وجادة لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، ووقفاً فورياً للهجوم اللاإنساني على غزة.
أدرك الأردن أن الصراع على أرض فلسطين كلها تخطى فضاء التوقع ومدار السياسة؛ فما يحدث ليس غزواً أو استيطانًا أو احتلالًا متمركزًا بقدر ما هو شهية عدوانية متقدة لمصادرة الأرض على رقعة فلسطين التاريخية، وتهجير قسري للشعب الفلسطيني، ابتداءاً من غزة.
بأمانة.. ذكرنا الصفدي اليوم بالراحل غسّان كنفاني و كلمتيه السحريتين: الإنسان قضية، فنحس أننا نركب بساط الريح ونعرّج على البشرية المعذّبة في كل مكان. نتذكّر كم كان إنسانياً حتى النخاع.
وسلامتكم.