أثر حرب غزة ( 7 أكتوبر ) على القطاع السياحي في دول المنطقة
أ. د. ابراهيم بظاظو الكردي
26-10-2023 10:20 PM
يعد القطاع السياحي من القطاعات الاقتصادية ذات الحساسية العالية للأحداث الدولية، والتي تؤثر بشكل مباشر في حجم الحركة السياحية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في صناعة السياحة، وقد أسهمت أحداث 7 أكتوبر وما تبعها من قيام اسرائيل بشن حرب واسعة النطاق على قطاع غزة بالتأثير المباشر على قطاعات صناعة السياحة والطيران في إقليم الشرق الأوسط بشكل عام والأردن ومصر بشكل خاص، فتطور نمو الحركة السياحية يعتمد بشكل مباشر على توفر الأمن السياحي، فالسياحة والأمن وجهان لعملة واحدة، علماً أن العديد من التقارير الدولية قبل أحداث هذه الحرب أشارات إلى أن المنطقة تعد الأعلى نمواً في حجم الحركة السياحية، كما جاء في تقرير الإحتفال بيوم السياحية العالمي في السعودية حيث أصدرت منظمة السياحة العالمية تقريرها لعام 2023 والتي تشير بوضوح إلى أهمية النمو المتسارع في حجم الحركة السياحية في دول المنطقة، والتي تشهد طفرة نوعية متسارعة لم تشهدها المنطقة منذ فترة طويلة من الزمن.
تشير العديد من التقارير الميدانية إلى أن الربع الأخير من هذا العام سيشهد تراجعاً واضحا في حجم ونمو الحركة السياحية، بسبب الغاء الكثير من الحجوزات السياحية، إضافة إلى تحذير العديد من الدول الغربية رعاياها بمغادرة المنطقة، وعدم السماح لهم بالتوجه لدول المنطقة، لذا الكثير من مكاتب السياحة والسفر الدولية ألغت كافة برامجها السياحية في دول المنطقة، كذلك قامت العديد من شركات الطيران العالمية بتفادي والغاء رحلات الطيران العارض (الشارتر) للمنطقة خوفاً من الأحداث التي تؤثر على صناعة السياحة، وعدم تحمل نفقات التأمين المرتفعة، كما أن العديد من سياحة البواخر العالمية أصبحت تعمل على تغير الوجهات التقليدية لها في مؤانئ المنطقة والذهاب لمناطق بعيدة عن التوتر والحروب.
عند الحديث عن الجانب الأخير لتأثير هذه الحرب على الاستثمارات السياحية، نلاحظ أن الاستثمار دوماً يتوجه للمناطق المستقرة والآمنة فالاستثمار السياحي لا ينمو إلا في بيئة آمنة باعتبار أن الأمن هو عصب الاستثمار السياحي، مما يشير إلى أن المنطقة ستدخل في مرحلة ركود استثماري وانخفاض التصنيف الأئتماني، وتراجع تصنيف المنطقة على تقارير التنافسية العالمية الخاصة بالاستثمار، إضافة إلى أن الاستثمارات القائمة فعلياً ستشهد جموداً وركوداً لحين انتهاء الحرب .
تتميز دول المنطقة بتكاملها في المجال السياحي ، فالعديد من الرحلات السياحية القادمة للمنطقة تأتي ضمن برامج سياحية عابرة للدول للدول ، فالعديد من مكاتب السياحة والسفر في القارة الأوروبية والولايات المتحدة تقوم بإعداد برامج سياحية متكاملة ضمن أكثر من دولة تشمل الأردن ومصر واسرائيل ضمن رزمة واحدة، مما يشير أن هذه النوع من البرامج السياحية المتكاملة تأثرت بشكل واضح وتم إلغائها وهنا نشير إلى أن الحركة السياحية سوف تدخل في جمود واضح لحين انتهاء الأحداث في المنطقة.
إن تعزيز مفهوم الأمن السياحيTourism Security ضرورة هامة لتحقيق الرخاء الاقتصادي، والذي يعتمد على تكامل كافة الجهود بين دول المنطقة، فتأثر أي دولة من دول المنطقة بأي أحداث لن تقتصر عليها وحدها وإنما ستمتد لبقية دول الإقليم مما يعود بالسلب على كافة الدول، ويندرج الأمن السياحي ضمن البعد الاقتصادي باعتباره أحد المجالات الاقتصادية المهمة ضمن مفهوم التكامل الإقليمي، فالسياحة صناعة حساسة، ويرتبط تحقيق الأمن السياحي بالأنماط الأخرى للأمن (الأمن الاجتماعي، الأمن السياسي، الأمن العسكري، الأمن الثقافي، الأمن البيئي) .
تسهم أحداث الحرب على غزة بالكثير من التحديات على القطاع السياحي في دول المنطقة، ومنها المخاطر الأمنية، بمعنى زيادة التكاليف الأمنية(Securitization) المترتبة على حماية المنشآت السياحية والسياح الأجانب، فبدل أن توجه عائدات السياحية إلى الاستثمار في منشآت وتجهيزات جديدة بمقاييس عالمية لجذب عدد أكبر للسياح، تٌوجه هذه الأموال لغايات تحقيق الأمن السياحي، وحماية الاستثمارات السياحية الأجنبية.
أدت الحرب على غزة إلى الإضرار والتدمير للكثير من المواقع التراثية والأثرية كما أشارات التقارير الدولية الصادرة عن منظمة اليونيسكو وغيرها من المنظمات الدولية ، حيث تم تدمير العديد من المباني نتيجة للقصف المباشر مثل: مسجد المحكمة ومسجد الظفر شرق مدينة غزة، والمسجد العمري في جباليا، ومقام خليل الرحمن في منطقة عبسان ومقام الخضر في مدينة دير البلح جنوب قطاع غزة، وموقع البلاخية الأثري المعروف بميناء الأنثيدون وبيت السقا الأثري وتل المنطار، ومسجد السيد هاشم في غزة، وموقع تل السكن في مدينة الزهراء وتلة الـ86 في منطقة القرارة بخان يونس، والأرضيات الفسيفسائية في الكنيسة البيزنطية بجباليا، وكنيسة أصلان في بيت لاهيا ومقبرة الانجليز في غزة ودير القديس هيلاريون في النصيرات ، وموقع تل رفح الأثري والمسجد العمري وقصر الباشا بمدينة غزة حيث تعرضت لبعض التشققات في الجدران وتحطم لبعض النوافذ.