تطرح وعلى نطاق واسع، ليس بين السياسيين والعسكريين فقط، بل في اوساط شعبية كثيرة داخل فلسطين وخارجها تساؤلات حول سيناريوهات التدخل البري الاسرائيلي في قطاع غزة، بما في ذلك اهداف هذا التدخل وتوقيته وهل سيكون لكامل قطاع غزة ام سيقتصر على مناطق شمال القطاع التي تشكل مركزا لاطلاق صواريخ المقاومة.
إعادة احتلال قطاع غزة بما يضمن تحقيق هدفين من وجهة نظر اسرائيلية وهما القضاء على حكم حركة حماس سياسيا وعسكريا في القطاع، واطلاق سراح الاسرى الذين تم اسرهم خلال طوفان الاقصى، جاء في سياقات ارتباك المستويين السياسي والعسكري الاسرائيليين، وصدمة عميقة احدثتها طوفان الاقصى ، بوصفها نموذجا لحروب ما بعد الحداثة، وان محددات النصر لم تعد فقط جيوش جرارة ودبابات وطائرات وصواريخ وقنابل ذكية وغبية فقط ، فقد كشفت العملية بصورة او باخرى هشاشة الجيش الاسرائيلي "الاسطوري"، واعادت سياقات مرجعية لطالما حاول اليمين الاسرائيلي تثبيتها بأن اسرائيل قوة كبرى تستطيع ان تكون بديلا للغرب وأمريكا في الشرق الاوسط، لتقول طوفان الأقصى بكل بساطة ان إسرائيل التي تعمل على تشكيل تحالف عسكري ضد إيران غير قادرة عمليا على حماية نفسها.
ورغم ان دخول القوات الإسرائيلية الى قطاع غزة يبقى سيناريو قائما ، إلا ان المؤكد انه لن يتحقق في المدى المنظور استنادا لجملة اسباب ابرزها: اولا: ان هذا الغزو اصبح قرارا أمريكيا بالدرجة الاولى، وامريكا معنية اليوم بالافراج عن الرهائن وهي قضية تشترك فيها مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهناك مفاوضات مع حماس بوساطة قطرية ومصرية، أنجزت حتى تاريخه الافراج عن "4" من الاسرى، تتزامن مع تسريبات حول صفقة أكبر ربما تشمل تبادل عشرات الاسرى.
من جهة اخرى فان احتلال قطاع غزة موضع خلاف داخل اسرائيل بين الحكومة من جهة والجيش والاجهزة الامنية، وبين القيادتين الأمريكية والاسرائيلية، نتنياهو واليمين المتطرف في حالة ارتباك بين مخاوف من تعرض الجيش الإسرائيلي لمجازر في القطاع، لا سيما في ظل عدم الإحاطة بصورة عميقة لما تملكه حماس والمقاومة من مفاجات، على مستوى التسليح والتكتيكات، ولمعرفة نتنياهو الاكيدة بأن أول نتائج العملية هي سقوطه واليمين اليهودي، وهو ما يفسر تصريحاته بان الحرب ستكون طويلة،ومن الواضح اليوم ان الاجهزة الامنية والجيش الاسرائيلي اصبح اكثر ارتباطا بالجيش الامريكي، وفيما يبدو انه انسجام بين القيادة العسكرية والسياسية الامريكية ، تدفع امريكا باتجاه تأجيل الغزو لحين الاتفاق على حدوده واهدافه وان لا يكون مجرد انتقام، لا سيما وان القيادة الامريكية تطرح أسئلة "صعبة" على القيادات الاسرائيلية حول ما بعد الغزو وما بعد "اسقاط" حماس سياسيا وعسكريا، واسئلة اخرى مرتبطة بالضفة الغربية وحل الدولتين.
في المدى المنظور، فإن السيناريو الأرجح استمرار القصف الجوي وزيادة الضغط على قطاع غزة، وعلى حركة حماس، لضمان استمرار نزوح الغزيين من شمال القطاع لجنوبه، واستثمار ورقة المساعدات الاغاثية والانسانية بالسماح بادخالها بعد تعقيدات الى مناطق النزوح في جنوب القطاع فقط، وبالتزامن دخول قوات "كوماندوز" الى بعض مناطق القطاع في الشمال، هدفها فحص إمكانيات المقاومة، ورهانات على ما يمكن ان يتحقق بفعل الحصار على مقاتلي المقاومة.