إننا نعيش لحظة فارقة ومختلفة، وهناك ترتيبات نراها بخصوص قطاع غزة، وأخرى نحاول الوصول إلى استنتاجات إلى مراميها، وهي في معظمها سيناريوهات مرعبة.
إننا اليوم، أمام حاجةٍ إلى صياغة خطابنا وروايتنا والوصول بها إلى الرأي العام الدولي والغربي، فإذا ما كنا نحن العرب مدركين لحجم الظلم الذي لحق بفلسطين وأهلها، ومدركين لحقنا التاريخي بالإنصاف، فإننا أحوج ما نكون اليوم إلى صياغة خطاب متماسك يتصدى لما يروجه الإعلام الإسرائيلي، وأدوات نفوذه في العالم، حتى لا يكون حديثنا هو كما يشبه "حوار عقيم" بعيداً عن العالم، وكيف يتابع ما يجري في منطقتنا.
إن الأردن، وعبر خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة القاهرة للسلام، بنى مقاربة بين ما يجري والرأي العام الغربي، وقد تحدث جلالة الملك بضمير المنطقة، ومظلوميتها، ومخاوفها، كما جاءت المقابلة الأخيرة لجلالة الملكة رانيا العبدالله عبر "سي إن إن"، لتوضح الكثير، ولتخاطب الرأي العام الأميركي، بما يجري مباشرةً، وقد أوصلت الملكة رانيا العبدالله رسالة الإنسان العربي، والفلسطيني، في المنطقة مقدمة رواية ومطالعة ومحاججة لمّا يجري، وسمت ما يجري بمسمياته.
إن ما يجري في قطاع غزة اليوم، لا يتوقف على لحظة الحاضر، والعاطفة، والانفعالية، وهي كلها سمات إنسانية طبيعية حيال قضية شعبٍ يتعرض للظلم منذ أزيد من ثمانية عقودٍ، ولكن هذه العاطفة إن لم تكن مدعومة بخطابٍ متماسك ومتوازن ستبقى تدور في فلك الحديث مع الذات، الذي لا يسمعه الآخرون في العالم.
فنحن اليوم، أمام لحظةٍ فارقةٍ، ومختلفة، عن كل ما سبق، فهناك ذرائع ومبررات، ومحاولة صياغة سرديات، ينبى عليها أحكام، وقرارات ومشاريع، إن لم نكن نعيها فسوف نكون مرة أخرى خارج إطار الفعل، وسنبقى في مساحة الاستجابة وردود الفعل.
الأردن اليوم، يعي مدى أهمية الخطاب السياسي، ويدرك أن العالم على سعته يتأمل ويصغي لما يجري لأجل أن يفهم، ولأجل أن تتشكل المواقف، سواءً أفقياً أم عمودياً، ودلالة الأمر، الخطاب الأخير لوزير الخارجية في مجلس الأمن الدولي، والذي حمل عباراتٍ تخاطب الرأي العام الدولي، وهو تعبير عن جهدٍ كاملٍ لأجل بناء رواية مضادةٍ، فنحن نرى ما نريد، وندرك حجم الظلم الذي تتعرض له غزة، وندرك حجم الألم الذي عاناه الفلسطينيون على مدار عقود، ولكن لا يكفي أن نبقى وحدنا من يعلم ويدرك، ويشعر أيضا، فهناك حاجة إلى صوتٍ عالٍ، لا تتوقف مفاهيمة تدور في فلك محدود.
إن الكلمة هي الأساس في أيّ مرحلة مفصليةٍ، وهي التي توفر الأرضية للفعل، والكلمة الأردنية اليوم تدرك من يجب أن يسمع وأن من يصغي كثر لما يجري في منطقتنا، ومن جورٍ يلحق بأهالي فلسطين، وغزة تحديداً، وهي لا تقل شأناً عن أيّ فعلٍ آخر، في فضاءٍ عالمي باتت أدواته تسخر للجم الروايات المضادة.
فالكلمة لأجل فلسطين وقضيتها اليوم، وبكل اللغات حق.. حتى يصحو العالم، أو يدرك أن اللحظة قد حانت لرفع الظلم عن قضيتنا جميعاً..