يعتقد البعض أن إسرائيل ستنفّذ هجومها البري في مطلق الأحوال، وهم محقّون في ذلك على الأرجح. لكن هذا ليس السؤال الأهم. بل الأكثر دلالةً هو ما تأمل هذه العملية في إنجازه، إذ ألمح المسؤولون الإسرائيليون مرارًا إلى أنهم سيحتاجون إلى الوقت، وربما إلى أشهر عدة، لتحقيق أهدافهم. ونظرًا إلى أن اجتياح غزة لم يبدأ بعد، يبدو أن ثمة ما يؤخّر هذه العملية. إذا أردنا أن نقدّم تخمينًا مدروسًا، فقد يُعزى السبب إلى مزيج من العوامل، مثل تعقيد التخطيط لعملية عالية المخاطر كهذه، والحثّ الأميركي لإسرائيل بأن تتقدّم بخطوات حذرة، والطلب الذي نقله عن لسان الجيش الإسرائيلي العسكريان السابقان والعضوان الحاليان في حكومة الوحدة الوطنية، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بإيضاح الأهداف المتوخّاة في غزة
يدرك جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الدخول في متاهة غزة وشوارعها المليئة بالأنقاض سيكبّده خسائر كبيرة في صفوف جنوده وهم يخوضون المعارك ضد مقاتلي حماس الذين يتمتّعون بأفضلية القتال على أرضهم. قد يكون تحقيق النجاح ممكنًا إذا تم تحديد الأهداف وحصرها، لكن حتى الحين لا تزال أهداف إسرائيل المُعلنة مُبهمة ومُفرطة الطموح وترتكز على تصوّر خاطئ لما سيتقبّله المزاج الإقليمي والعالمي
كما ويعلم الأميركيون أن اجتياح قطاع غزة يزيد بشكل كبير من احتمالات اندلاع حرب إقليمية. وفي حال امتدّت رقعة الصراع، من المرجّح أن تشمل أيضًا استهداف القوات والمصالح الأميركية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. وقد يتساءل المرء عمّا إذا هذا ما كان يدور في ذهن الرئيس جو بايدن حين أبلغ المسؤولين الإسرائيليين خلال زيارته إلى ماتسمى إسرائيل هذا الأسبوع أن القرارات في زمن الحرب تستوجب "التفكير المتأنّي. وتتطلّب طرح أسئلة صعبة للغاية. وتستلزم أيضًا تحديد الأهداف بوضوح، وإجراء تقييم صادق حول ما إذا كانت الخطوات التي يتم اتخاذها تحقّق هذه الأهداف
أي وبعبارة أخرى، إن لم تكن إسرائيل مستعدة لدخول كل بيت من بيوت غزة والقبض على عشرات الآلاف من الشبّان الذين يُشتبه بأنهم أعضاء في حماس، ونقلهم إلى إسرائيل (وهذا أمرٌ من المستحيل تحقيقه تقريبًا)، فما من ضمانات بأنها قادرة على القضاء على هذه الحركة. وهذا مع افتراض أن الفرصة ستكون متاحة أصلًا أمام الإسرائيليين للطرق على الأبواب والتحقيق مع الأشخاص لتحديد ولاءاتهم في خضمّ الجبهات العسكرية المفتوحة من لبنان وسورية وربما الضفة الغربية أيضًا. هذا السيناريو مثيرٌ للسخرية إلى حدٍّ بعيد بحيث يستحيل تخيُّل حدوثه
وعلى الرغم من كل المعيقات والتخوّفات، يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيقوم بعملية أو عمليات برّية مدمّرة، ولكن حتى لو لم يفعل فهو سيواصل تنفيذ المجازر الجوية في غزّة إلى أن يردعه رادع. وهذا الرادع لن يأتي من فراغ إذا لم يكن هناك إنذار عربي واضح لإسرائيل لوقف هذه الحرب القذرة، والتهديد بقطع العلاقة معها، وإبلاغ الولايات المتحدة بأن مصالحها في المنطقة سوف تتضرر إن هي لم تلجم حليفتها إسرائيل