facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القربان الغزّي


محمد العامري
26-10-2023 08:58 AM

في مثل الإبادة تكشف الحقيقة الوحشية للإنسان عن نفسها وتسقط فكرة الحضارة التي راكمت كماً معرفيا هائلا، فالوحشية التي أظهرها الاحتلال الصهيوني لفلسطين لم يسبق وان حدث في التاريخ المعاصر، فبدأ الاحتلال بصورة الدم بالمجازر التي لم تنته على يومنا هذا، وما زال يتكرر التوحش الصهيوني ويتمدّد عبر تعاضد غربي منقطع النظير، لقد كذب الغرب علينا بمؤسساته التي تنادي بحقوق الإنسان وفلسفات التمويل بحجة الارتقاء بالعالم الثالث، فيبدو أنهم كانوا يقومون بتسمين الضحية، واعداد القربان لعافية الذبح الواضح، ذبح لا لبس فيه، كما لو أنهم يتلذذون بدم الضحية وصراخها تحت الردوم، أشلاء يصعب تصوير ألمها الأبدي، حيث تقد الحياة معناها وتصبح محض نكتة سياسية، أشبه بأفلام الكرتون.

لا معنى لي في الوجود ولا حلم لفكرة كانت تجتاحني لحظة صفو هنا أو هناك، فأمام غزة سقطت كل الأقنعة وكشطت المقاومة كل الزيف الكوني، لتضعنا أمام حقيقة واحدة هي منطق القوة التي نَفَتْ من قاموسها الإنسان، ففظاعة الهمجية تكثفت في صورة العدو الصهيوني ومن ناصروهم، واستهجن كيف للحضارة أن تصبح راعية للإبادة، فما قلناه من حزنها على غزة لا يسمن ولا يغني من جوع، لكنها مياه مالحة تتزجج في العيون فربما تمحو ولو مرة صورة الجرح، لقد وصل الدم الفلسطيني في غزة إلى عتبات بيوتنا وصرنا نتعثر بالجثث كما لو أننا نعيش في ردوم للموتى، فالدم الفلسطيني عامة صار قربانا للكون والغزّي بصورة خاصة، ففي انتهاء القرابين لا بد من قربان معاصر أسمه غزة، حيث يختلط دم القربان بمعدن المجنزرات، وصراخ الأطفال بصراخ القنابل، فالقربان الغزّي جاء ليحمينا من كوارث الحياة المعاصرة كما كانت تفعل شعوب الأنكا والأزتك، حاولت أن أفسر تلك الحماسة المفرطة في إراقة الدماء، لم أستطع أن أجد تفسيرا لهذه الوحشية التي فاقت تضور الضواري الجائعة، واستذكر هنا الكاتب والمخرج روبرت إيجرز قدم لنا عائلة موغلة في الشقاء، على أن يكون الخط الزمني الذي تسير فيه الحكاية في إنجلترا منتصف القرن السابع عشر، حيث تتواتر خرافات السحرة التي تحظى بشعبية جارفة، مثل أن تجرع دماء شخص يافع من شأنه أن يعيد للعجائز شبابهم ويديمه، فهل الكيان الصهيوني ليسفك كل هذه الدماء ليعيد توازن الدولة العابرة، لم تشبع شيخوخة العدو الصهيوني من دم الفلسطيني فقد صار جسدها في عداد الموتى ولم يعد يستوعب كمية الدماء الزكية التي روّت أرض فلسطين.

وكذلك فيلم مكان هادئ الذي كتبه سكوت بيك وبريان وودز، يُعَدُّ هذا الفيلم واحدا من الأكثر أهمية في عالم الرعب، حيث يطبق الصمت كرها على العالم ويصبح الحديث مخاطرة محضة، نعم يصبح الحديث مخاطرة في إدانة القاتل، حيث تصبح كائن ضد السامية، فهل السامية رسالة مقدسة يجوز لها أن تفعل كل ما ترغب به من قتل خارج حدود القانون، ففي هذه الإبادة انتصرت الأرقام على وجود الإنسان، فأصبحت روزنامة الموت هي بوصلة العالم كما قال لامبيدوزا في روايته "الفهد" لقد انتصر الرقم على الاسم والكم على النوع، حيث أصبحت الضحية رقما في طريقها لفقدان اسمها، فغزة لم تزل تنزف بكبرياء المقاومة، ولم تبن الأمل على عرب فقدوا بوصلتهم وغيروا أسماءهم كي يعفوا أنفسهم من صوت الدم المراق.

على الأرجح ان القربان الفلسطيني دخل مرحلة اعتياد الذبح والنسيان، كالذبيحة التي لم يعد يؤلمها السلخ بعد الذبح، فقد سخرت الضحية من القاتل وتبرأت من الأشقاء الذين خذلوها وصدق قول الشاعر دعبل الخزاعي: "اني لافتح عيني حين افتحها ولكن لا ارى أحدا"، فثقافة الخوف حولتنا الى متسولي الأمل، وصرنا نرزح تحت وطأة التنكيل الأشد توحشا من تعذيب دميان كما وصفه ميشل فوكو، فما زال القربان يطهرنا من درن الخوف وتمثلاته على موائد الوجبات السريعة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :