أين اختفت قواعد القانون الدولي الإنساني؟
د. أشرف الراعي
25-10-2023 12:28 PM
لطالما كان الفلسطينيون طوال الـ 75 عاماً الماضية ضحايا الحرب الأساسيين في صراعهم مع إسرائيل. وطوال تلك المدة كانت دول الغرب - بعيداً عن هذا الصراع الذي كان فيه الفلسطينيون هم الطرف الأضعف - يتحدثون عن الحماية المقررة للمدنيين خلال النزاعات المسلحة، معتبرين ذلك بمثابة حجر الأساس في القانون الدولي الإنساني، لا بل كانت الندوات والمحاضرات وورش العمل التي تنفذها العديد من المنظمات الأجنبية تؤكد على أن "نطاق الحماية خلال النزاعات المسلحة تشمل الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال والنساء والنازحين، إلى جانب الممتلكات المدنية العامة والخاصة".
لقد تحمل المدنيون الفلسطينيون وما زالوا حتى اليوم يتحملون العبء الأكبر من ويلات الصراع مع إسرائيل؛ والذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والهجمات العشوائية، وعمليات الترحيل القسري، وأخذ الرهائن والاعتقال والنهب وغيرها من الجرائم الوحشية.. ومنها من بقي عالقاً في الذاكرة وما يزال العقل الجمعي العربي يستذكره حتى الآن؛ كمذبحة دير ياسين ومذبحة دير أيوب ومجزرة قلقيلية ومذبحة الأقصى الأولى ومذبحة الأقصى الثانية ومذبحة الخليل ومذبحة قبيا ومذبحة يازور وغيرها من المذابح والمجازر التي شكلت وما زالت تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية وأسهمت في تكون الوعي الفلسطيني بالطريقة التي نراها حالياً، على الرغم من اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة في العام 1949 كرد من قبل المجتمع الدولي على الحرب العالمية الثانية، وليس على ما جرى ويجري في فلسطين!
لقد كانت اتفاقيات جنيف قبل تاريخ 1949 تختص بالحماية للجرحى والمرضى والغرقى والمقاتلين الأسرى.. وأدركت "الاتفاقية المعنية بالمدنيين أصلاً" تغير طبيعة الحرب وحددت حماية قانونية يتمتع بها كل شخص لا ينتمي إلى قوات مسلحة أو جماعات مسلحة... وشملت الحماية أيضاً الممتلكات المدنية، ومن هنا جاء اعتماد البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقية جنيف في 1977 ليؤكدا لاحقاً هذه الحماية، وضرورة أن يعامل المدنيون الواقعون تحت سيطرة القوات المعادية معاملة إنسانية في جميع الظروف، وحمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة بما فيها القتل والتعذيب، ومحاكمتهم بصورة عادلة توفر لهم جميع الضمانات القضائية الأساسية، لكن فيما يتعلق بالفلسطينيين بقيت المعايير مزدوجة حتى يومنا هذا، وهو أمر أصبح واضحاً ليس للعرب فقط بل للمجتمعات الغربية على حد سواء!
هذه النصوص القانونية التي تنص عليها المواثيق الدولية لا وجود لها في حياة الفلسطينيين؛ فاليوم يعاني الفلسطينيون ما يعانوه نتيجة القصف الذي يستهدف مساكن آمنة وأطفالاً ونساءً لا لذنب اقترفوه سوى لكونهم يعيشون في بقعة جغرافية محددة يرون فيها نصوص الاتفاقيات الدولية تنتهك بكل بساطة.. هذه النصوص التي يفترض أنها "تتّسع لحماية المدنيين وتشمل الأفراد الذين يحاولون مساعدتهم لاسيما أفراد الوحدات الطبية والمنظمات الإنسانية أو هيئات الإغاثة، فضلاً عن النساء والأطفال والأشخاص المسنين والمرضى الذين يصنفون ضمن الفئات شديدة الضعف أثناء النزاعات المسلحة.. وكذلك الأشخاص الذين يفرون من بيوتهم فيصبحون نازحين داخل بلدانهم أو لاجئين؛ حيث يحظر القانون الدولي الإنساني الترحيل القسري عن طريق ممارسة التخويف أو العنف أو التجويع".
إن الحماية التي تقررها جنيف وبروتوكولاها الإضافيان للمدنيين حماية "قاصرة" لا بل تكون منعدمة في مقابل منطق القوة.. والتطبيق في الحالة الفلسطينية يقول إن "لا وجود لهذا القانون. وما الكلام حوله سوى كلام أكاديمي نظري خيالي لا وجود له في الواقع؛ حيث يعاني المدنيون الفلسطينيون معاناة فائقة في كل النزاعات المسلحة.. وقد استهدفوا وتعرضوا لأعمال لا إنسانية بصورة لم تقم وزناً لهذا القانون، ولا لاتفاقيات جنيف ولا لاحترام حقوق الإنسان".. والقادم أعظم.