معاني خطاب الملك "الأقوى عربيا"
د.حسام العتوم
24-10-2023 08:16 AM
انفرد خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني "حفظه الله" في قمة القاهرة للسلام التي انعقدت بتاريخ 21 تشرين الأول الجاري / 2023 ، وبحضور القادة العرب ، وقادة الأمم المتحدة والغرب، بقوة مضمونه ومعانيه الدقيقة التي يحتاج سماعها الشرق العربي والأوسطي ، وكل العالم وسط الحدث الفلسطيني الذي انطلق من مقاطعة "غزة" ، وهو المأساوي على أهل غزة – أهل فلسطين – أهلنا ، البطولي من طرف المقاومة الفلسطينية الباسلة ، وليس من طرف حماس فقط ، ورغم قساوته وبروز عنصر المفاجئة والمغامرة فيه ، وهو الذي جاء ردة فعل على تطاولات " إسرائيل " على الأقصى ، و على أهل فلسطين و كرامتهم – شعب الجبارين – و بشكل متكرر منذ بدايات القضية الفلسطينية عام 1948 ، إلا أن ردة فعل "إسرائيل" مبالغ فيها ، و استهدفت تدمير بيوت الفلسطينيين على رؤوسهم، و قتل العديد منهم و في مقدمتهم الأطفال و بحجم وصل إلى حوالي ( 3000) طفلا ، و لسحق حماس – حركة المقاومة الفلسطينية الإسلامية ، و المبالغة في عدد قتلى " إسرائيل " لكسب تعاطف الغرب الأمريكي معها ، و هو المبرمج صهيونيا لمساندة " إسرائيل " طوعا ومن دون مقدمات ، وجاء خطاب جلالة الملك هاما و هادفا ، و باللغة الأنجليزية مباشرة التي يجيدها بإحتراف رفيع المستوى ، و لكي تصل رسالة العرب لأوروبا و لأمريكا ، أي للغرب الذي غدا مساندا لإسرائيل في هجومها المضاد على غزة ، وهو الذي يمثل ذات الوقت حلف " الناتو " مجتمعا . فماذا قال جلالته ، وعلى ماذا ركز ؟..
لقد تساءل جلالة الملك عن سبب الصمت الدولي بعد مرور إسبوعين على حرب غزة هاشم ، وكأن الأمر المأساوي و الصعب لايعنيهم هناك ، وطالب جلالته بضرورة الوقف الفوري للحرب و حماية المدنيين ، و إيصال المساعدات لهم ، وهو مطلب هام ن في وقته وزمانه ، و إنساني يكفل الحياة للجانبين المتضررين الفلسطيني و الإسرائيلي ، ومن شأنه وقف الكارثة التي تدفع نحو الهاوية ، و بدأ جلالة الملك خطابه الهام هذا بتحية المسلمين و العرب السلام عليكم و رحمة الله و بركاته " ، ليعرف العالم الخارجي بأننا أمة سلام ، و أظهر في خطابه العهدة العمرية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها المسلون عام 636 للميلاد ، و ربطها بمرور أكثر من ألف عام على اتفاقية " جنيف " ( 1864/ 1949 ) تتناول حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب ، و أورد جلالته نص العهدة العمرية ( بألا يقتلوا طفلا ولا إمرأة و لا كبيرا في السن ، وإلا يقطعوا شجرة و ألا يؤذوا راهبا ، و ألا يدمروا كنيسة ) ، و دعا جلالته لتطبيق قواعد الأشتباك عن المسلمين و الألتزام بها .
وللحقيقة أورد شخصيا هنا بأن الفرق بين المقاومة الفلسطينية الممثلة بحماس و بغيرها من التنظيمات الفلسطينية ، وهي الواقعة تحت الأحتلال ، و بين مستعمرة " إسرائيل " المحتلة لفلسطين و لأراضي العرب منذ عام 1967 ، تماما كما المسافة بين المظلوم و الظالم ، بين صاحب الحق و المتطاول على الحق وضح النهار ، وفي الوقت الذي استهدفت فيه حماس بداية بتاريخ 7 أكتوبر ( إسرائيل ) لسبب ليس آني و إنما تراكمي منذ عام 1948 ، وكان الأستهداف مباشر للعسكرة الإسرائيلية ، جاءت ردة فعل " إسرائيل " هائجة شاملة لحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى ، و لبيوت الفلسطينيين الآمنين الغلابى ، و لم تفرق بين مسلح فلسطيني و بين مدني ، فقتلت و لا زالت تمارس قتل الفلسطينيين المدنيين و تبالغ في أرقام قتلها ، لتحقق نصرا سرابيا لن يتحقق لها ، فالنصر يصنعه القانون الدولي و السلام العادل و ليس الألة العسكرية، وها هي " إسرائيل – نتياهو تهدد (حزب الله ) أيضا إن شارك في الحرب ، و رسالة فرنسية رسمية للحزب لكي يلتزم الصمت ، و مجزرتي " المعمداني " و كنيسة القديس ( بروفيريوس ) في غزة – إسرائلية - بإمتياز .
وأعرب جلالة الملك عن غضبه و حزنه بسبب أعمال العنف واستهداف المدنيين الأبرياء في غزة و الضفة الغربية و إسرائيل، و اعتبر ذلك انتهاكا فاضحا للقانون الدولي و الإنساني و جريمة حرب، وطالب بعملية سياسية تأخذ إلى سلام عادل على أساس حل الدولتين في زمن تحول حل الدولتين إلى يأس على مدى الخمسة عشر سنة الماضية، ومكن المتطرفين من الجانبين . و هو خطاب إنساني و حضاري رفيع المستوى و متوازن حسب تقديري ، و يأتي في وقته و زمانه ، وحالة العنف و استهداف المدنيين لازالت تتكرر ، و تبالغ ( إسرائيل ) في قتل المدنيين الفلسطينيين ، و تواصل هدم بيوتهم و تقصفهم و تبقيهم في العراء من دون رحمة ، بينما تعمل المقاومة الفلسطينية على الدفاع عن نفسها ، و تطلق سراح الرهائن لحالات إنسانية ، و يضغط الغرب من أجل إطلاق سراح كافة الرهائن لتسرع العملية البرية العسكرية الإسرائيلية التي تعتقد ( إسرائيل ) ومعها الغرب ، أي ( الناتو ) بقدرتها على تصفية حماس – القسام ، وهو المستحيل بطبيعة الحال ، و المقاومة الفلسطينية لا يمكن اختصارها بحماس ، فهي متشعبة ( فتح ، و جهاد ، و سرايا القدس ، و فدا ، و صلاح الدين ، و أبو علي ،و الديمقراطية ، و الشعبية ، و التحرير ،و الصاعقة ، و النضال الشعبي ) ، و( حزب الله ) الأقوى تسليحا جاهز عندما يدق جرس الخطر وسط حركات التحرر العربية ، ولو امتلك العرب أو إيران قنبلة نووية على غرار" إسرائيل " لما استطاعت " إسرائيل " المستعمرة النازية المجرمة التطاول على أهل فلسطين – أصحاب القضية العادلة – أصحاب الحق و التاريخ ، و لما ساند الغرب الأمريكي " إسرائيل " بكل تأكيد .
ولقد لفت جلالة الملك الانتباه لتراجع إهتمام العالم التدريجي ، كلما تزداد وحشية الأحداث ، و في أي مكان أخر تستهدف فيه البنية التحتية للمدنيين ، والحرمان المتعمد للسكان من الغذاء ، و الماء ، و الكهرباء ، كان العالم ليدين الأستهداف ، و مساءلة الفاعل فورا ، و في غزة صمت دولي ، و الرسالة التي يسمعها العرب هي أن حياة الفلسطينيين أقل أهمية من حياة الإسرائيليين ، وتطبيق القانون الدولي انتقائي ، و حقوق الأنسان لها محددات الأعراق و الأديان . و تعليقي هنا وكما أعتقد ، و قد أكون مخطأ أو على صواب ، و الله أعلم ، هو أن جلالة الملك قصد إهتمام العالم ، الغربي خاصة بحدث الحرب الروسية – الأوكرانية ومع ( الناتو ) بالوكالة و تفسيراتها ، بينما إبتعد عن حرب غزة ، و بكل تأكيد الغرب يسير حيث تسير أمريكا و مشاريعها الخاصة بالحرب الباردة و سباق التسلح ، و هناك في أوكرانيا مثلا لم يفهموا روسيا و قصدها من دخول أراضيها التي هي أحقية تاريخية ، و بسبب سوء استخدام الأستقلال عن الأتحاد السوفيتي و الخروج عن اتفاقيته التي تمنع التحالفات الأجنبية و في مقدمتها مع " الناتو " المعادي لروسيا الأتحادية زعيمة الأتحاد المنحل ، و في موضوع غزة ، المعادلة واضحة بين من يمارس الأحتلال وبين من يخضع للأحتلال . و حياة الفلسطينيين لا تقل أهمية عن حياة الإسرائيليين ، و كرامة الأنسان و حياته غالية لا تقبل القسمة على إثنين.
لقد بدا جلالة الملك حازما عندما دعا في خطابه هذا المتميز إلى الوقف الفوري للحرب على غزة ، و لإيصال المساعدات الإنسانية لأهل القطاع ، و لرفض التهجير القسري ، وكلها رسائل ملكية جادة أصغى لها الغرب ، و الأمم المتحدة ، و كل العالم ، و استغرب جلالته عدم محاسبة "إسرائيل " ، و توقع مواصلة دوامة العنف ، و وضع النقاط على الحروف ، عندما أعلن بأنه لايوجد حل عسكري لمجرد مخاوف أمنية ، و بأنه لا يجوز تهميش خمسة ملايين فلسطيني تحت الأحتلال ، مؤكدا بأن حياة الفلسطينيين لا تقل أهمية عن حياة الإسرائيليين ، و بأن الظلم لا يدوم ، و بأن الوقت حان للعمل .
وفي الختام هنا أحيي جلالة الملك عبدالله الثاني على وقفته المشرفة في كافة المحافل الدولية ، و في قمة القاهرة للسلام إلى جانب أهل فلسطين و قضيتهم العادلة الواجب أن تفضي لحل الدولتين ، الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية ، و الإسرائيلية في الجوار ، و أضيف هنا بأن حق العودة أولا و التعويض ثانيا يشكل جزءا هاما وسط معادلة القضية الفلسطينية العادلة الواجب تفعيلها ، و أن أوان أن يعيد النظام العربي السياسي ترتيب أوراقه المتعلقة بموقف الغرب الأمريكي السلبي من الفلسطينيين في غزة و في رام الله ، و أن أوان إحداث توزان بين أحادية القطب بقيادة أمريكا ، و بين عالم متعدد الأقطاب إيجابي بقيادة روسيا الأتحادية صاحبة الموقف المشرف مع القضية الفلسطينية ، و حاليا بالدعوة عبر مجلس الأمن لوقف القتال في حرب غزة.