أطفال غزة .. مختلفون كاختلاف مدينتهم
نيفين عبد الهادي
24-10-2023 12:20 AM
لأطفال غزة بدايات دون نهايات، فهم الأطفال الوحيدون في العالم من تبدأ أحلامهم دون أن تكتمل، يبدأون الذهاب للمدرسة لكنهم لا يتخرجون كما كل أطفال وطلبة العالم، يبحثون عن ألعاب بدائية ليعيشوا جزءا من طفولتهم لكنهم لا يستكملون هذه الألعاب، هم أطفال بأرقام أعمارهم فقط، دون ذلك هم مشاريع شهداء ورجالا بل عمالقة.
وصل عدد شهداء الحرب المدمرة على الأهل في غزة (5087) شهيدا، منهم (2055) طفلا، قرابة نصف عدد الشهداء أطفالا، عن أي طفولة نتحدث أمام هذا الرقم، وطالما كانت أرقام الشهداء ليست صمّاء تعكس تعدادا لأشخاص، إنما هي حكاية نضال، وعقيدة عطاء، أكثر من 2000 طفلا شهيدا، فيما ما يزال (1500) مفقودا تحت الأنقاض، وحتما بينهم أطفالا.
«عند ربهم يرزقون» بحياة تليق بطفولتهم، التي لم تكتمل بل لم يروا منها شيئا، سيكملون دراستهم وأحلامهم، سيعيشون ويكملون الحياة، فهم شهداء وطيور الجنة، ولمن خذلهم وقتلهم وقتل طفولتهم، وأحلامهم وقتل يومهم وغدهم، عار هذه الجريمة التي لم لطّخت بدماء الأطفال أيام الاحتلال وحياته، وستبقي بلونها الأحمر توجع انسانيته «إن وجدت» ومستقبله.
(شعره كيرلي وأبيضاني وحلو)، واحدة من جمل الاستغاثة لأم فلسطينية تبحث عن طفلها بين جثامين الشهداء، لتجده شهيدا، لكنه أجمل، و»حلو» أكثر وأكثر، وغيرها آلاف الأمهات والآباء الباحثين عن أبنائهم بين الشهداء، فمنهم من وجده جسدا بلا روح، ومنهم من وجد أبنائه أشلاء عرفهم من بعض معالمه التي هربت من صواريخ الاحتلال وقذائفه، لتبقي فيه جزءا من الملامح، في حين كتبت عائلات على أيدي أطفالها أسماءهم لمعرفتهم من يكونون بعد الشهادة، سيما وأن نيران الاحتلال تنال من كافة الملامح وتفاصيل الأشخاص، فما بالك أجساد الأطفال!.
سمعنا أصوات أطفال تصرخ وقد اختلطت كلماتهم مع دموعهم، باحثين عن والديهم، يصرخون «وين ماما، وين بابا» منهم من وجدهما، أو وجد أحدهما، ومنهم من لم يجدهما، ومنهم من قضى ليله حاملا «محلول العلاج» لوالدته أو والده لعدم وجود المستلزمات الطبية لهذه الغاية، بقي واقفا رغم جراحه، ودمائه التي نثرت في أركان المستشفى أو المكان، ليبقى صوته يعلو بالدعاء بالشفاء لأهله ومصابين هذه الحرب.
ونرى مزيدا من عظمة هؤلاء الأطفال، الطفل الذي يقرأ القرآن الكريم بصوت مرتفع بينما يقوم الأطباء بإجراء عملية له في ساقه، وكلما شعر بمزيد من الألم علا صوته بشكل أكثر، بصمود لا يقوى عليه رجال يكبرونه بالعمر الرقمي بعشرات السنين، لكنه يكبرهم بعشرات القدرات والقوة، فهو طفل غزيّ كما آلاف الأطفال في هذه المدينة التي لم تعرف يوما درب الفرح، ولا شكلا واضحا لحياة كاملة.
أطفال غزة، كما مدينتهم، مختلفون، في حياتهم وأحلامهم وآمالهم وحتى آلامهم، مختلفون بألعابهم، برائحة دمائهم المعطّرة، ومختلفون بسنين عمرهم واحتسابها، مختلفون يفقدون حياتهم وهم ما يزالون في بداياتها فمنهم من استشهد ولم يتجاوز عمره الأيام أو الأسابيع، مختلفون في منح الفرح لأسرهم، مختلفون في اختيار ملابسهم وألعابهم، مختلفون بكل شيء، ما يجعلهم ليسوا أطفالا، رغم أنهم في تصنيف البشرية هم أطفالا وفي شهادات الميلاد أطفالا، حتى في شهادات الوفاة أيضا أطفالا، هي طفولة أبناء غزة المختلفة.
الدستور