سكجها يكتب: مقالة عبد الله الأول التاريخية والشكر للأمير علي
باسم سكجها
23-10-2023 07:50 PM
علينا، بداية، أن نشكر الأمير علي بن الحسين على إعادة نشر مقالة كتبها جدّه، بعد ستة وسبعين عاماً من نشرها الأوّل في “المجلة الأميركية”، وبالتأكيد فعلينا أن نشكر بأثر رجعي روح الملك الشهيد عبد الله الأوّل على رؤيته الثاقبة وموقفه الوطني الفلسطيني القومي الأصيل.
وعليّ أن اعترف بأنّ ظنوني أخذتني إلى أنّني أحفظ تاريخ القضية الفلسطينية عن ظاهر قلب، فليس هناك كتاب، ولا وثيقة منشورة متعلقة بالأمر، لم أقرأه، ولكنّ هذا الظنّ ثبت خطؤه، مع قراءتي المتأنية عدة مرّات لتلك المقالة الموسّعة ،التي تكاد تكون دراسة موثقة عن تاريخ الصراع في فلسطين وما حولها.
يُثير تاريخ النشر، وهو تشرين الثاني من العام 1947 مسألة مهمّة، فهو يتعلّق بالضرورة لوقف التهيئة للقرار الأممي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، لأنّه كتب ونشر قبل صدور القرار في 29 من الشهر نفسه، وهناك تحذيرات مضمّنة من ذلك القرار.
قراءة المقالة، الآن، بعد كلّ ذلك الزمن الذيّ مرّ، تُشعرنا وكأنّه كُتب اليوم، فهو موجّه إلى الجمهور الأميركي: نظاماً سياسياً، ووسائل إعلام، ومواطنين، وها نحن نشهد تماماً ما حذّر عبد الله الأول منه، ليس فقط من قرار التقسيم ولكن ممّا جرى بعده من حروب توسّع المهاجرون اليهود فيها حتى صاروا أداة الجريمة المتواصلة.
عبد الله الأوّل كان يملك ملكة الاستشراف في تلك المقالة، ويعرف أنّ المستشارين اليهود للإدارة الأميركية هم الذين يتخذون القرارات، ولهذا فقد قدّم مقاربة تاريخية وسياسية موضوعية تؤكد وجهة نظره، وكانت كلمة للتاريخ، ومنها نقتبس: إن في بلاد العالم الأخرى من الثراء والسخاء والسعة ما يكفي لاستيعاب 200000 يهودي، أي نحو ثلث العدد الذي كان من نصيب فلسطين الصغيرة البائسة، أما بالنسبة لبقية العالم فإنه مجرد نقطة في إناء، وهو بالنسبة لنا انتحار قومي.
تلك الرسالة، المقالة، كانت مهمّشة في تاريخنا، إلى أن نبشها وأعاد نشرها الأمير علي، ولسنا هنا نتزيّد على ما جاء فيها، فهي تتحدث عن نفسها ونتمنى من الجميع قراءتها بتأنّ، فالتاريخ يُعيد نفسه، ولعلّ أهمّ النتائج بعدها أنّ الملك عبد الله الأول استشهد بعدها بثلاث سنوات وقليل، ربّما لقتل هذا المنطق الذي تحدّث به.
عبد الله الأول كان يمثّل رأي وموقف الأردن والأردنيين بالطبع، ولهذا طُمست تلك المقالة ضمن التاريخ غير المكتوب والمعلن، ويبقى أنّها منشورة على “عمون”، فلروح الشهيد كلّ التحية والتقدير والعرفان، وللأردن حقّ الفخر بتاريخه النظيف، وللحديث بقية!.