على الرغم من أنه سؤال من المبكّر طرحه، لكنه يدور في أذهاننا جميعا نحن الباحثين عن الحق والعدل، هل انتصرت غزة هاشم؟ هل انتصر الغزيّون؟، والجواب العملي والحقيقي وفقا لكل ما نسمع ونرى، نعم انتصرت غزة وانتصر الغزيون، هي حقيقة نأخذها من دلالات كثيرة أبرزها وأهمها أن هذه المدينة الأسطورية يعشق سكانها الشهادة كما يعشق البشر الحياة.
غزة، الأسطورة، بصمودها وعنفوانها وصلابة أبنائها أمام واقع لا يُمكن لأحد أن يعيش ولو جزء يسير منه، وفي ذلك نصر بل أعلى درجات النصر، وانتصار على ظروف لا تتحملها عقول البشرية اليوم، إذا ما كانت مجرد فكرة في أذهاننا جميعا، لكنهم في غزة يعيشونها وينامون عليها مشاريع شهداء، فإن استيقظوا وكتب لهم مزيدا من الحياة، يمضون غير آبهين في درب نضالهم، وفي درب الانتصارات.
شهداء بلغ عددهم حتى ظهر أمس 4741 شهيدا، بينهم 1873 طفلا و1023 سيدة و187 مسنا، إضافة إلى 14 ألفا و245 مصابا، وفي هذه الأرقام انتصارات فلسطينية كبيرة، وهزيمة للاحتلال بحجم صمود هذا الشعب، وعملقة أطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه، مصادقة الاحتلال على خطة مساعدة لإجلاء سكان مدينة عسقلان، الرشقات الصاروخية على تل أبيب، وغيرهما من المدن التي تشهد وجودا للاحتلال بشكل كبير، وغير ذلك من دلالات تؤكد الانتصار الفلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي، انتصارا لم تعرف مثله البشرية من ثبات وعزيمة وتحدّ لظروف صعبة جدا، ومواجهة جرائم حرب تُمارس يوميا عليهم.
في هذه الأعداد من الشهداء.. «أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة».. نعم إنها غزة «غـزة جزيرة كلما انفجرت وهي لا تكف عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن»، هي غزة كما وصفها شاعر فلسطين محمود درويش، من تقف أمام المحتل تكسر أحلامه ولا تجعله يفرح بهزيمتها ولا هزيمة فلسطين، هذه المدينة التي تضم في جغرافيا صغيرة قرابة مليونين شخص، هذه المدينة التي لا وجود بين شعبها للأطفال فهم يولدون رجالا في أول لقاء مع الاحتلال، مدينة حقا لا تعرف الهزيمة.
غزة ليست كغيرها من مدن العالم، وشعبها ليس كباقي شعوبه، فدربهم للحياة الشهادة، وقوّتهم تتحدث عنها أفعالهم ونضالهم، وصمودهم، وصبرهم على جرائم لم تر مثلها البشرية، وحتما لن تراها، ما يجعل من كل هذا انتصارات إلى حين تحقيق العدالة، واجتثاث الظلم الذي نال منها عبر سنين وسنين، هي صامدة منتصرة ثابتة، باقية أسطورة زمن لم تعرف به سوى الظلم وحرب بدأت منذ عشرات السنين ولم تنته.
حقيقة ثابتة عن هذه الأسطورة التي يتمتع بحرها بزرقة لا تشبه غيرها، أنها بقعة على هذه المعمورة ثابتة صامدة تكيد الاحتلال، بثباتها وصمود أطفالها قبل شبابها، أرض منتصرة لا تعرف الهزيمة، ولن تعرفها، وفي كل يوم تحقق انتصارات جديدة على الاحتلال وعلى الجوع والعطش وعلى حصار الغذاء والدواء، والطاقة، انتصارات توازي انتصارات البشرية عبر تورايخ متعددة، نعم غزة منتصرة فهي لا تعرف الهزيمة، ولن يقوى الاحتلال على هزيمتها.
الدستور