في قمة القاهرة للسلام انصتنا مع حشد دولي من القادة المشاركين الى خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني الذي جاء مليئاً بالمشورة والحكمة والتعقل ويضع النقاط على الحروف ويضع ضمير هذا العالم على المحك، وصوتاً للوفاء والثّبات يحمل رسالة ولا أبلغ الى الاصدقاء في اوروبا وفي العالم. ولم يعرض خطابُ الملك فقط للمخاطر والجرائم التي يتعرّض له اهل غزة والمنطقة فحسب، بل رسم ايضاً طريقاً لحلول تُعين الغزّيين وشعوب المنطقة على مواجهة اوضاع صعبة وخطيرة، من المخجل السكوت عليها
وفي استعراضِه لإرثٍ انسانيّ سطّرته العهدةُ العمريّة المقدسيّة عند بوابات إيلياء، كان ملكنا ّ حكيمُ المشرق يقدّم درساً في الانسانية التي تتبرأ من مُعتدين يقتلون الاطفال والنساء والشيوخ، ويقطعون الشّجر ويدّمرون الحجر ويؤذون الرهبان ويدنّسون الصلّبان ويفجّرون المعابد والمشافي. وجاء استحضار العهدة بنبرةِ الغَضب الملكيّ، فيما يسود صمتُ جرسية كنيسة برفيروس وأيقوناتها وهي تستنكرُ منذهلةً تفجيرَ وقفِها الكنسيّ، وفي الأرجاء رائحةُ الموت والقتل وقطع الأشلاء، وفي سماء غزة غُبرة التفجير الغاشم للمستشفى المعمداني
عَرض الملك الهاشمي مشهد غزة الأسيرة بدون مواربةٍ، وشخّص حالَها وألَمَ المنطقة ووجَع أهلها الفلسطينيين، ووصفَ عجزاً دولياً ممزوجاً بالّنفاق وبالتّقاعس عن التحرّك وفقَ حقوق رسَمتها الشّرائع السماويّة وقوانين وضعَها الانسانُ لأجل الانسان
جاء الخطاب صرخةً في وجه التّجاهل الدولي ودرساً هاشمياً يُنذر بكارثةٍ تواجه المدنيين، وذكّر، لعلّ الذكرى تنفع السّامعين، بمعاناةٍ سبّبها صراعٌ تحكُمُه أيديولوجيا الجلّاد الذي أحلّ سَفكَ دمِ غزّة - في الأزمنة الحرم- مستخدماً كلّ أدوات القتل واسلحةَ الجوع والعطش، وَصَمَّ هوَ وكثيرون معه آذانَهم، كي لا يسمعوا أَنّاتِ المرضَى والجرحى من المدنيّين العُزّل الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.
ونعلن اننا نعتز بالخطاب وبالدّعوة الصريحة التي وجّهها جلالته للتوقّف الفوري عن "السير على هذا الطريق الملطخ بالدماء" وليعودَ الرُّشد الى هذا العالم ويعترف بكرامة الشعب الفلسطيني وبحقوقه المشروعة
وفيما تستعد شعوب العالم للاحتفال بعدَ 49 يوماً بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان، يستمر تناسي حقوق الإنسان الفلسطيني وازدراؤها وارتكابُ جرائم الحرب التي تُوقع الضّحايا، وفي الوقت ذاته تؤذي الضمير الإنساني، فتفسد الأعمال الهمجية تلك بهجة الاحتفال بالذكرى لتترك سواداً مهيناً على الاعلان الذي جاء كأول توافقٍ عالميّ رسميّ على حقوق الإنسان.
أسبوعان مرّا منذ فرضَت إسرائيلُ حصارًا كاملاً على قطاع غزة. وفيما كانت "تزداد وحشيّة الأحداث، ويقلّ اهتمام العالم شيئًا فشيئاً" كان جلالة الملك يعملُ ليلَ نهار مطوّفاً في البلدان متحدثاً بالقضّية والأهل والقدس وفلسطين ومذكِّراً بالحرية والعدل والسلام لأهلها وللمنطقة.
بنبرة الغضبِ والحزن جاء خطابُ سيّدنا حاسماً متّزناً ومليئاً بالعزّة والحكمة والصّدق والشجاعة وحاملاً صلابةً ترسخ موقفَ وفائنا الأردني.