كثيرا ما صار تضارب المعلومات يضيع الحقيقة، ويدخل عقل الإنسان في متاهة من الأوهام والأكاذيب، ليسقط وعيه بعدها في هاوية ليس لها قرار.
ذات يوم، قال جوزيف غوبلز، بوق الإعلام النازي وذراع هتلر القمعية ضد حرية الفكر والتعبير: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس". لكن هذه المقولة أضحت مستهلكة وبائدة بعد أن سيطر الإنترنت والفضائيات على العالم، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت العالم نقلة نوعية كبيرة، أتاحت له كماً هائلاً من المعلومات ووفرت لمستخدميها مجالا حيويا للتواصل والتفاعل والذي يفترض كونه تفاعلاً إيجابياً.
غدا السلوك الإعلامي مختلفا في عصرنا الراهن، إذ لم يعد غريبا تغيير اختلاق أخبار مع دعم ذلك بالوثائق لإقناع الآخرين بأمر ما إزاء شخص أو حادثة.
في الواقع، تجاوز الأمر حدود الخيال والمنطق، فبعد أن كان الإعلام الموجه يقوم بدوره في الحياة اليومية التي تهم المواطن، أو حتى في الحروب النفسية في حالات الحرب، متوجها ضد عدو خارجي، صار الإعلام في عصرنا موجها بالدرجة الأولى نحو من يعتبر "العدو الداخلي".
أنا لا أعلم حقيقة إن كان هناك إقبال على هذا النوع من الصفحات أو إن كان هناك متابعين لهذا النوع من الأخبار الكاذبة أو لمن يبثون سمومهم وحقدهم، بقصد تشويه سمعة شخصية معروفة أو محاولة إثبات أو نفي حدث ما، أو إن كانت قد طالت شائعات مشينة شخصيات لها مكانتها وتحظى باحترام وتقدير الجميع، ولكنني أجزم أن مهارتهم في تضليل العامة كفيلة بأن ترشحهم لأوسكار أفضل ممثل.
مشروع المعارضة خارج حدود الوطن وعلى حدود وسائل التواصل الإجتماعي فارغ، فالوطنية باختصار تعني أن تحب وطنك، وحب الوطن في الأصل من الفطرة التي تربط الإنسان عاطفياً بالأرض التي ولد عليها، وعاش فيها، الأرض التي تمثل أسرته، وانتمائه.
وحب الوطن لا يكون حباً كما نعلم ان لم يترجم إلى سلوكيات، وأفعال تدل عليه، أفعال تحقق المواطنة الحقة، حين تحافظ على مقدرات وطنك، وثرواته، حين تعمل من خلال موقعك، أو وظيفتك أياً كانت، على مصلحته، وتطويره، وحمايته من الفساد، والمفسدين حينها فقط تكون قد فزت بالوطنية الحقة.
الخطاب لكل من يبث سمومه وأكاذيبه على الشبكة المعنكبة، فهذه الأرض لا تستحق منا إلا أن نبادلها الإخلاص، والعطاء، تستحق بالفعل أن نطهر أنفسنا، وننفض الغبار عن عقولنا، وضمائرنا، وبصيرتنا التي أعمتها التوافه والماديات.
إنه الوطن أيها الغافلون...الوطن الذي عز في هذا الزمان على كثيرين.
حب الوطن واجب شرعى ودينى وخلقى يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال، فالوطن يستدعى منا جميعًا أن نعبّر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعًا، هذا الحب لا يترجم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معاداة الوطن وأهله، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء بينهم، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية، وليس من حب الوطن الاستقواء بالخارج، أو التهديد باستخدامه.
الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكري حتى نتوصل إليه، وحتى لو كانت النوايا حسنة فى حب الوطن، فلن تشفع أبدًا فى اختيار الوسيلة غير المناسبة للتعبير عن ذلك الحب.
أيها القابعون خلف الشاشة المضيئة، في بلد لا يعلمها إلا الله، تحاولون نشر سمومكم البغيضة بين أبناء جلدتكم، ابدأوا بأنفسكم قبل أن ترفعوا علم بلدكم وتهتفوا باسمها، كلنا نحترم وطنيتكم، ولكن ابدأوا بأنفسكم لتكونوا مواطنين متحضرين ومنظمين، تحترمون القانون والنظام، وعندها ستتغير الأمور كثيرًا وينشط الجميع بالتدريج سوف تظهر معالم الرقى والتحضر، فنحن أحق الشعوب بتلك الألقاب، لأننا كنا أصحابها ولا نتمنى أن نبكي على أطلالها.
تذكروا يوماً تقفون فيه بين يدي الله عز وجل، حينها ستلعنون كل قرش حرام جمعته أيديكم، و بعتم وطنكم لأجله.
اليوم وبينما أقلب الصفحات على الشبكة المعنكبة، ألاحق أخبار ما يجري بأرض فلسطين من إبادة جماعية لأهلنا هناك، استوقفني مقال كان قد سطره جلالة الملك عبدالله الثاني بتاريخ ٣٠ تشرين أول ٢٠١٨، حروف سطرت بماء الذهب، معنونة ب "منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟"، جاء فيه..
بدأت أرى مؤخرا على منصات التواصل الاجتماعي، محاولات لخلخلة ثبات هذه المرساة، وهو ما دفعني لمخاطبتكم اليوم. فحين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكانا للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء.
وسلامتكم.