سيناريوهات الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة
د. محمد حمدان الغرايبة
21-10-2023 05:09 PM
في صباح اليوم السابع من أكتوبر تمكنت قوات النخبة في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من التسلل برا وبحرا وجوا إلى منطقة غلاف غزة وذلك لضرب مواقع عسكرية إسرائيلية في منطقة غلاف غزة. وتمكنت خلال 3 ساعات من القضاء على هذه الكتبية وأسر أكثر من 200 أسير وقتل 1300.
وتعتبر هذه المعركة التي أطلقت عليها حركة حماس طوفان الأقصى أكبر هزيمة مادية ومعنوية مني بها الجيش الإسرائيلي منذ عام 1973 وهذا باعتراف قيادات إسرائيلية. فقد فشلت إسرائيل في توقع الهجوم وارتبكت وتأخرت في الرد على حماس التي أعلنت أنها الضربة العسكرية حققت جميع أهدافها. لقد هز طوفان الأقصى نظرية الأمن الإسرائيلي المستندة لفكرة الجدار الحديدي لتأتي المقاومة بأسلحة متواضعة فتخرق هذا الجدار الحديدي وتجعله يبدو كجدار من ورق.
وما كان لإسرائيل بعد التخبط إلا أن بدأت هجوم وحشي على المدنين العزل في قطاع غزة لتحقيق عدة أهداف أهمها ما يلي: أولا، محاولة رد الاعتبار لنفسها كدولة تظن أنها قوة لا تقهرفي المنطقة، ثانيا لإرضاء أصوات في المجتمع الإسرائيلي تنادي بالإنتقام، ثالثا، محاولة ستر الفضيحة التي ألمت بها حيث حاولت توجيه الرأي العام العربي على وحشية إسرائيل وبطشها وقدرتها على الفتك بكل من يحاول العبث معها بدلا من أن توجيهه على هزيمة إسرائيل المخزية. رابعا، محاولة جعل فاتورة الحرب الاستباقية وحجم الدمار الذي لحق القطاع وإعادة الإعمار أكبر وأثقل على كاهل حماس التي تحكم القطاع منذ 2005 ومن ثم تألب المجتمع الغزي على حماس.
ولحفظ ماء الوجه أكثر استدعت إسرائيل قوات الاحتياط وجمعت ما يقارب 300 ألف جندي لاجتياح القطاع. واستعانت بالولايات المتحدة والدول المؤيدة لها من أجل شرعنة هذه الاجتياح تحت ذريعة الحق في الدفاع عن النفس. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية الأهداف الرئيسية من الاجتياح وهي تدمير قدرات حركة حماس العسكرية وتجريدها من السلاح، وإعادة صياغة مفهوم السيطرة على القطاع الذي ظل لسنوات تحت حكم الحركة، والعمل على أن تكون الحكومة الجديدة في غزة مدنية وليست أيديولوجية دينية.
أما فيما يخص سيناريوهات الاجتياح فهناك ثلاثة سيناريوهات: الأول -وهو السيناريو المرجح لدينا- وهو سيناريو الفشل الإسرائيلي في المهمة وذلك لعدة أسباب. أولا، تعتمد إسرائيل في حروبها على الآليات والمعدات العسكرية أكثر من اعتمادها على احترافية أفرادها وهو أمر لا يتناسب مع حرب المدن التي تتطلب مهارة عاليه لدى الجنود. ثانيا، العقيدة القتالية تصب في صالح أفراد المقاومة نظرا لأن أفراد الجيش الإسرائيلي يعيشون في مجتمع منعم مرفه وهم حريصون على الحياة أكثر من الموت ولهذا نجد الكثير من المواطنين الإسرائيليين رفضوا الانضمام إلى الجيش في السنوات الأخيرة، أما الذين انضموا فكان ذلك فقط لأسباب إقتصادية وليس عقدية. في المقابل نجد أفراد المقاومة الفلسطينية مقبلون على الموت أكثر من إقبالهم على الحياة نظرا لأمور عقدية إبتدائا من الرغبة بالشهادة إلى قناعتهم بأن الاحتلال لن ينتهي بدون تضحية ونضال وكفاح. ثالثا، تاريخيا لم تتمكن أي قوة استعمار مهما كانت قوتها من استئصال حركة التحرر وهذه سنة من سنن التاريخ، أنظر إلى تجربة الجزائر وليبيا وفيتنام وجنوب افريقيا وافغانستان وغيرها الكثير. رابعا، أهل مكة أدرى بشعابها وحماس تخفي الكثير من المفاجآت فتهديد اسرائيل بالاجتياح منذ 2006 جعل القيادات في المقاومة تدرس بجد آليات التصدي لأي محاولة اجتياح من قبل إسرائيل، وحسب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي "حماس خططت للدفاع عن غزة عندما خططت لهجومها على إسرائيل، ومن المحتمل أن تكون لديها مباني مجهزة للانفجار وكمائن وأسلحة يمكنها هزيمة الدروع الإسرائيلية". سادسا، هناك احتمال كبير أن تتدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية نصرة للمقاومة التي سمت المعركة باسم الأقصى وكرستها دفاعا عن الأقصى. كما أن هناك احتمال أن ينخرط حزب الله بشكل أكبر في الحرب مع أن هذا احتمال لا يدعمه التوجه الاديولوجي للحزب وحدها الايام قادرة على الكشف عن مصداقية وعود حزب الله. سابعا، الاستمرار في الحرب لفترات طويلة سينهك الاقتصاد الإسرائيلي الذي سيدفع فاتورة باهضة لهذه الحرب وقد شهدت إسرائيل إلى الآن خسائر بعشرات المليارات من الدولارات، وتوقفت الكثير من القطاعات الحيوية عن العمل كقطاعي السياحة والطيران.
وفي حال تحقق السيناريو الأول فسيكون وبالا على إسرائيل التي ستضطر للانسحاب جارة أذيال الهزيمة بسبب حجم الدمار الذي سيلحق بأفرادها وآلياتها وستصبح رواية الجيش الذي لا يقهر خرافة لا يقبل بها عاقل. وسيحاسب الشعب الإسرائيلي حكومته المتطرفة بقيادة نتنياهو الذي ستنتهي مسيرته السياسة وسيضطر المجتمع الاسرائيلي إلى إنتخاب حكومات أقل تطرفا خوفا من تكرار سيناريو طوفان الأقصى، وقد يصبح حل الدولتين خيارا أكثر قبولا لدى المجتمع الإسرائيلي. أما معدل الهجرة العكسية فيزداد علما أنه عام 2022 هاجر 12 ألف إسرائيلي إلى الخارج. أما مؤشر الاستقرار السياسي فسيتراجع من 146 لعام 2022 إلى مرتبة أكبر وهذا له أثر كبير على سمعة الكيان وحجم الاستثمار الأجنبي فيه وإقبال السياح عليه.
من جهة أخرى ستزداد عزيمة المقاومة في الصمود وفي تطوير الأسلحة وتعبئة الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وورغم ضخامة فاتورة إعادة الإعمار إلا أن النصر سيخفف من ثقلها على الأقل من الناحية المعنوية للفلسطينيين. أما في الجانب الاسرائيلي سيزداد التضييق الاسرائيلي على غزة وسيستمر الحصار وربما يضيق أكثر من السابق وستستمر محاولات إسرائيل اليائسة في استهداف القيادات في غزة عن طريق الغارات الجوية. وستضطر إسرائيل لنشر قوات أكثر في المناطق المتاخمة لغزة لتعزيز الأمن وستشهد اسرائيل معدلات اعلى في مؤشر العسكرة والتسلح والتعبئة العسكرية مما سيثقل الكاهل على اقتصادها.
السيناريو الثاني: وهو سيناريو محتمل أيضا وهو وقف الحرب بوساطة إقليمية ودولية ومحاولة إجراء صفقات تبادل أسرى بين الطرفين. ويمكن أن يحدث هذا السيناريو فقط في حال وصلت إسرائيل إلى طريق مسدود في عمليتها البرية وفي حال سقوط أعداد هائلة من القتلى والجرحى في صفوفها، وفي حال تمكنت من إلحاق ضربات نوعية في البنية التحتية للمقاومة مع اقتناعها بأن الاستمرار في المعركة لم يعد مجديا. أما حماس فستقبل بهذا السيناريو حفاظا على أرواح المدنيين وحفاظا على ما حققته من نصر في طوفان الأقصى ومحاولة منها لملمة الجراح والتقاط الأنفاس.
السيناريو الثالث وهو الأقل احتمالا وهو تمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهدافه واجتياح القطاع والقضاء على حماس وهو سيناريو مرغوب لدى الحكومة الاسرائيلية المتطرفة التي تبحث عن نصر تعود به أمام مجتمعها الساخط كما أنه مرغوب من قبل حلفاء إسرائيل. وهذا سيناريو لا يمكن تجاهله رغم أن نسبة تحقيقه قليلة نظرا للأسباب سالفة الذكر. ولهذا السناريو ما بعده فعلى الصعيد الفلسطيني سيعني نهاية حماس كسرة ظهر المقاومة الفلسطينية والصمود الفلسطيني على أرضه وسيضطر الشعب الفلسطيني لقبول إملاءات إسرائيل وحتى تتجنب إسرائيل فاتورة احتلال القطاع ذو 2.2 مليون نسمة ستسلم إسرائيل السلطة الفلسطينية شؤون الحكم في غزة وستمضي في مبدأ التنسيق الأمني مع فرض إجراءات أمنية مشددة على القطاع. أما على الصعيد الإسرائيلي، سيستمر الشعب الاسرائيلي في انتخاب حكومات متطرفة قادرة على الحاق الضرر بالفلسطينيين وستمضي إسرائيل في مخططات الضم وتعزيز الاستيطان وتهويد القدس والتضييق على الفلسطينيين دون هوادة ورفض حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وتعزيز الاحتلال وتثبيته.