للّيل الطويلِ فجرٌ يا غزة !
د. نضال القطامين
21-10-2023 01:46 PM
لا بأس بحدادٍ على الشهداء، على ماء الوجه المسال، على الكرامة التي يركلها البرابرة كل يوم، على الأطفال الذين فرش لهم المغول بساطا من قذائف وغطاء من حديد.
لا بأس بحزن يليق برؤوس الأطفال وقد تناثرت على الباحات والميادين، لا بأس بأسىً يليق بحجم الخيانه والخذلان وحجم الخيبات.
على طول الأيام التي تلت أحداث السبت، أنجزت مؤسسات الإعلام الصهيونية على امتداد العالم، واجبها الذي عبّأ الدنيا كلها بصورة الإحتلال المضطهد، وصيّرت ما تلا ذلك من قتل وتنكيل وتهجير بأنه دفاع عن النفس وأنه يتسق والقانون الدولي، بل جعلت مواقف الدول التي كانت تصف ذاتها بالإعتدال، منحازة بشكل فاضح لإمداد الحملة الصهيونية بما يتيسر من طائرات وبوارج وبنادق وعتاد، ليمضي مخطط الفرات إلى النيل كما هو مخطط له، بينما العرب واجمون ومطرقون، لا كلمة لهم ولا فعل، وسوى الملك عبدالله الثاني الذي يناضل منذ عشرين عاما لإبقاء قضية فلسطين في واجهة الأحداث، وهو الوحيد الذي ينقل للعالم صورة الإسلام المعتدل، وغيره يشبعنا جعجعة دون طحنا، فلا صوت للقمم ولا للأنظمة ولا للقادة؛ وقد ذهلوا وأغفلوا، طوعا وكرها.
تداعى العالم كله لنصرة الصهيونية التي يمارس عليها فتية غزة الإضطهاد ويسومونها العذاب، فألقموا الصواريخ والقنابل، ثم قرأوا عليها تعاويذ المسوخ، وكلمات الشيطان، حتى إذا استوى لهم المرمى، هتف الطيارون ورددت الطائرات: نحن أحفاد النازية، نحن أصحاب الفتك وأهل البطش والسحق، نحن المجرمون؛ نملك تفويضاً بالقتل وإنابةً بالإبادة وتخويلاً بالردى، منحنتنا الديمقراطيات الكاذبة وكالات للإستئصال، وقد جاء لنا قادتهم بمسوح الخيبة، يحملوا في ثيابهم عرائض الغفران، واستدعاءات التجاوز والصفح، عن كل كلمة او خطاب أو مؤتمر أو لقاء، تكلموا فيه عمّا لا يملكونه، من أكاذيب حقوق الإنسان وتدليس العدالة وغواية الحريات، ثم قدموا لنا أجساد الصغار على طبق من صديد، أهدافاً لمدافعنا، وقذائفنا، تلك التي نقلتها البوارج على عجل، خشية أن يهرب الصغار لمحيط مستشفى آخر، لا تملك آلة الحرب استهدافه.
في غزة، على طول جوعها وحزنها وحصارها، ينتهك الديمقراطيون جداً، مبادئهم التليدة، ويحرق دعاة العدل والحرية صحائف الخطابات وكراريس البيانات، ثم يكذبون ويكذبون، ثم يصرّون على ممارسة الكذب والدجل والزُور والبَاطِل والبُهْتَان، وفي اللحظة التي يلوحون بها للطائرات المغادرة للقتال، المعباة بآلات الموت، يعربون عن غضبهم وأسفهم، ثم تمضي الجنائز في طول الأرض المحروقة وعرضها دون أن يكترث لها أحد.
إن أعتى الأسلحة في مواجهة المعركة، هي أن يدرك العالم كله، أن ما حدث لم يكن سوى مخرجات تاريخ طويل من القمع والسجن والتجويع والحصار، وأن هذا الإحتلال الذي يمارس كل يوم أبشع أنواع الظلم بغلاف من صلف وغرور، لا يفرّق بين مسلم ومسيحي في القتل والتهجير، وإن هدفه من عمليات التصفية والتشريد، يجب أن يكون واضحا لكل نظام حر في العالم وأن تتعرى كل جرائمه من ثياب التدليس البالية.
قادمٌ فجر الليل الطويل يا غزة، آتٍ شعاع الشمس الجليّ، ذاك الذي سيمحو عن جبينك الجزع، وذاك الذي سيعلي هامات أهلك، وقد سجّلوا في التاريخ العظيم، بطولة وشجاعة وصمود.
لَعَلّكَ يوماً يا دُمُسْتـُقُ عائـدٌ.. فَكم هاربٍ ممّا إليه يـؤولُ
نَجَوْتَ بإحدى مُهجتيك جريحةً.. وخَلَّفْتَ إحدى مَهجتيك تسيلُ..