الأرض تنتصــر .. وغـــزة تنتصــر
العميد المتقاعد م. أحمد الحياري
20-10-2023 12:52 PM
هذا المقال مُوجَّه لكل من يُصدِر الأحكام سواء بالنصر أو الهزيمة ، ويحلل النتائج من خلال المفاهيم الضيقة للنتائج الأوليـة والآنيـة ، ودون التَريُّث ومعرفة الأهداف والاستراتيجيات التي قامت عليها هذه الحرب .
ولن أتطرق هنا لبطولات أصحاب الأرض والتكتيـك والدهاء العسكري والجاهزية التي اعتمدوها وأعدوا لها العدة والعتاد وحسب الإمكانات المتوفرة .
وكذلك لن أتطرق لهمجية المحتل وإعتماده سياسة الأرض المحروقة والإبادة الشاملة وضرب الأخلاقيات والأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائـط .
هـذا المقال لمناقشة الأهداف من وجهة نظري كمراقب للمشهد ، والوقوف على سويــة إقـرار وإعلان الحرب ، لتحديد الخسارة والربح ... الإنتصار أو الهزيمة ... بناءًا على ما تحقق وما سوف يتحقق من هذه الأهداف سواءًا على المدى القريب أو البعيد ... وتكون هي الفيصل في كافة الأحكام .
وعلينا أن نكون مُنصفين والأخذ بكل الإعتبارات الخاصة لما تتعرض له غزة ومنذ عشرات السنين من حصار ظالـم ، والمبالغة في الخناق فوق وتحت الأرض جواً وبحراً ، وقطع كل أسباب الحياة والبقاء .. وعلى الرغم من ذلك تم وصفهم بأنهم خصوم غير عاديين ويجب مقاتلتهم بالطرق الغير عادية .
وأختصر رؤيتي بسرد مجموعة من الأهداف والنتائج التي ظهرت على السطح جلية واضحة .
-أولـى الأهداف أن يعيش المحتل في سلسلة قلق ورعب دائم ، وأن يكون ليله طويل ، وأن تُجافي عيونهم النوم ، وأن لا تطول حالة الهدوء والاستقرار للحد الذي تكون فيه الحياة طبيعية .
وهذا ردًا على السؤال فيما إذا كانت موازين القوى تميل بشكل كبير لصالح المحتل ... فهل هذا مبرر لتركهم يهنؤون ؟!
-وثانـي هذه الأهداف إطلاق العنان للهجرة العكسية من المستوطنات إلى شتى أصقاع الأرض ، وهي هجرة عودة الفروع إلى الأصول .. العودة للبلدان والدول التي ساهمت وساعدت اليهود لإنشاء دولة خاصة بهم بعيدة عنهم على أرض فلسطين أهدافها غرس خنجر في خاصرة الوطن العربي والإسلامي وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى التخلص من الأرق والإزعاج الذي رافق وجودهم وينتقل معهم أينما حلّوا .
ولا يخفى على أحد أن هذه الهجرة بدأت منذ اللحظات الأولى لبداية الحرب ، وأخذت تتزايد يومًا بعد يوم ، وقد تستمر لأشهر عديدة إذا لم تكن سنوات .
- أما وقف الاستيطان والمستوطنات فهو ثالــث هذه الأهداف ، وبعد هذه الحرب الشرسة والتي تميزت بوصولها إلى داخل بيوت المحتل أو داخل البيت كما قال رئيس وزرائهم ، فإنه من الصعوبة بمكان إقناع اليهود في بلاد الغرب للقدوم إلى مستوطنات جديدة آمنة مع توفير كافة أسباب الحياة والرفاهية بعد الذي شاهدوه بأم أعنيهم ، ووقوع الخسائر الفادحة في صفوف الجيش ، والدمار في كافة المدن الإسرائيلية التي أصبحت ليست بعيدة المنال سواءًا بالصواريخ أو بالإقتحام المفاجىء داخل بيوتهم .
وتحتاج هذه الصورة إلى عشرات السنين حتى تُمحى من الذاكرة ، وبذلك فإن الحد من الإستيطان يكون هدفًا سوف يتحقق على أكمل وجه .
وهنالك أعراض ظهرت كتأثيرات جانبية لهذه الحرب أهمها :
• إحـراج الجيش الإسرائيلي وظهوره بصورة غير لائقة ، ومنذ اليوم الأول إحتاج إلى مساندة ودعم ليصمد أمام هذا المارد .
وتم إزالة الغباش عن عيون المتخاذلين الذين ينظرون إلى جيش إسرائيل كقوة عظمى لا تقهر .
• إحـراج جميع الأنظمة العربية والإسلامية ، وبيان أن القصة بسيطة والقضية صغيرة ، وأن النصر على إسرائيل لا يحتاج سوى إرادة حقيقية وتكاتف جهود ، والاستعداد الجاد ... وعندها ستنكشف الحقائق .
عندها سيرى العالم بأم عينه أنهم سيهرعون إلى جحورهم ... ويتسابقون بالفرار إلى بلادهم ... تاركين كل غالي ونفيس ... وأن الوازع للبقاء والدفاع عن الوطن المزعـوم ضعيف ومعدوم ... وهذا مؤكد لنا ولهم ولكل من يقرأ التاريـخ .
• بينت هذه الحرب وسابقاتها من المقاومات الدفاعية والعمليات الهجومية ان القضية الفلسطينية لن تموت ، وان واجب تحريرها ينتقل من جيل الى جيل ، وان الارحـام مازالت وستبقى تنجب ابطالاً نذروا انفسهم لتحرير المقدسات والوطن ، ويحبون الشهادة والموت كما يحب المحتل الحياة .
وان الرهان على شباب الامة نسيان قضية الامة أجمع " القضية الفلسطينية" ، والعمل على غسل ادمغتهم وإشغالهم بالتفاهات ، هو رهان خاسر .وان شباب الامة واخص اهل الأرض شباب فلسطين المرابطين ، يُعلِّمون العالم اجمع دروساً في التضحية والشجاعة والفداء . ويصنعون من شجـر الزيتـون قنابل ومن الـورود والازهـار نـاراً تحرق كل معتد غاشم.
وأخيــــراً ..... وعند الوصول لإصدار الحكم على هذا النزال الغير متكافىء ، علينا أن نُقــر أن جميع الأهداف قد تحققت .
علينـا السمــو بحسابات الربح والخسارة ..... وعلينـا النظر لأبعد من مدى الكاميرات التي ترصد الحرب ... وعلى أفكارنا أن تومض وتبرق أكثر من بريق الشاشات التي لا تُظهِر سوى المشاهد المادية والأرقام والتي لا تخدم الحسابات .
نعــم .… جميـع الاستراتيجيـات نُفـذت .... وجميـع الأهـداف تحققـت .
وهنـا أقـــول .... أنـه لا مانـع من خسـارة بعـض المعـارك مقابـل أن تربـح الحـرب ...
نعـــم .... الأرض تنتصــر ... وغـــزة تنتصــر .