هل الاردن دولة وظيفية
اللواء المتقاعد مروان العمد
19-10-2023 01:42 PM
كثيراً ما يتردد على السنة البعض من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة عند احتفال الاردن بعيد الاستقلال انكارهم لهذا الاستقلال ، والقول ان الدولة الاردنية اسست من قبل بريطانيا لتقوم بدور وظيفي يتمثل بتسليم ما تبقى من فلسطين وشرقي الاردن للكيان الصهيوني ، وانه عهد بهذه المهمة للاسرة الهاشمية . والقول انه تم تسليم الضفة الغربية لهذا الكيان في عام 1967 . وان العمل جاري الآن لتسليمه الضفة الشرقية استكمالاً لوعد بلفور ، الامر الذي لم يرد في اي وعد او قرار او اتفاق دولي . وانما كان ولا يزال مجرد حلم يراود مخيلة الوكالة اليهودية و غلاة الصهاينة المتطرفين . حيث ان وعد بلفور مع رفضنا له مضموناً وموضوعا ، نص على اقامة كيان لليهود في فلسطين . اي ليس في كل فلسطين . وقد رفض بلفور مطالب الوكالة الصهيونية بأن يشمل الوعد فلسطين باكملها ومعها شرقي الاردن . ثم ان بريطانيا استجابت لمطالب شيوخ عشائر شرق الاردن عام 1920 باقامة امارة فيه غير مشمولة بوعد بلفور ويمنع الاستيطان الصهيوني فيها ، وان يؤمر عليها امير هاشمي . وفي عام 1921 اعلن قيام امارة شرق الاردن ، وبويع الامير عبدالله ابن الحسين اميراً عليها ، على ان تكون هذه الامارة تحت الوصايه البريطانية ، وان يعين فيها معتمد بريطاني مستقل عن المندوب السامي البريطاني في فلسطين . وعلى اثر اندلاع ثورة عام 1936 في فلسطين ، شكلت بريطانيا لجنة بيل للتحقيق في الاحداث، والتي وضعت اقتراحاً بإنشاء ثلاثة اقاليم في فلسطين . اقليم تحت الانتداب البريطاني يضم القدس وبيت لحم والناصرة ويافا . ودولة يهودية في منطقة الجليل والسهل الساحلي الغربي لغاية مدينة يافا ، على ان يتحد باقي فلسطين مع شرق الاردن ويكون دولة عربية مستقلة ، مع ايراد نص بأن وعد بلفور ، ومواد صك الانتداب المتعلقة بالوطن القومي اليهودي لا تسري على شرقي الاردن ، وعدم السماح بالهجرة الصهيونية اليه .
وعندما صدر القرار 181 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 فقد تضمن تقسيم فلسطين الى دولتين فلسطينية ويهودية تم تحديدهما في القرار . الا ان اختلال موازين القوى بين الفلسطينيين واليهود المدعومين من بريطانيا مكن اليهود من ان يستولوا على قسم من الاراضي التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية . وعلى اثر حرب عام 1948 وانهزام معظم الجيوش العربية ، لم يتبقى من الاراضي الفلسطينية حسب قرار التقسيم الا ما استطاع الجيش العربي الاردني المحافظة عليه . والذي يشمل الضفة الغربية و جوهرتها القدس ، التي قدم الجيش الاردني مئات الشهداء على اسوارها في سبيل الاحتفاظ بها . وقد اعترفت الامم المتحدة بإسرائيل على اساس حدود 1948 . وعلى اثر مؤتمر اريحا وموافقة الزعامات الفلسطينية على الوحدة مع المملكة الاردنية الهاشمية والتي كانت قد استقلت عن بريطانيا في عام 1946 ، اصبحت المملكة الاردنية الهاشمية مكونة من الضفة الشرقية والضفة الغربية . وقد اعترفت بريطانيا صاحبة وعد بلفور بهذه الوحدة . وقد بقي الوضع على هذه الحالة الى ان حصلت هزيمة عام 1967 حيث وقعت الضفة الغربية تحت الاحتلال الصهيوني ، والذي يعرف الجميع ان الاردن لم يكن احد اسبابها وانما احد ضحاياها . ورغم الاحتلال فقد ظلت الضفة الغربية تعتبر ارضاً محتلة من المملكة الاردنية الهاشمية ، الى ان صدر قرار قمة الرباط عام 1974 بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني . وذلك نتيجة للضغوط التي مارستها المنظمة والدول العربية على الاردن للموافقة على هذا القرار . ورغم ذلك فقد بقي سكان الضفة الغربية يحملون الجنسية الاردنية الى ان صدر قرار فك الارتباط عام 1988 بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية . حيث سحب من سكانها الارقام الوطنية وجوازات السفر الدائمة ، وتم منحم جوازات سفر اردنية مؤقتة لتسهيل امور حياتهم . وبقي الاردن نقطة العبور لهم ولمستورداتهم وصادراتهم . واحتفظ الاردن بالوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة بالقدس الشريف . وبقي الاردن محتضناً للقضية الفلسطينية و وفر المظلة الاردنية للوفد الفلسطيني في مباحثات السلام ، الى ان فوجئ بتوقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 ، مما دفع الاردن بعد ذلك الى توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 . ومنذ ذلك التاريخ كان الاردن هو السند الحقيقي ، ثم اصبح الوحيد للشعب الفلسطيني وقضيته . وتصدى لكل مؤامرات تصفية هذا القضية ومنها صفقة القرن . واعلن جلالة الملك لاءاته المشهورة ، كلا للتوطين ، كلا للوطن البديل ، والقدس خط احمر وان لا تنازل عن اقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، ولا تنازل عن الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف . وبعد ذلك يقولون ان دور الاردن والنظام الهاشمي هو دور وظيفي ينتهي بالتنازل عن فلسطين والاردن للكيان الصهيوني ، في حين ان من يقول ذلك هم الصهاينة المتطرفين ، ومن يردد اقوالهم هم عملاء وخونة ، واعتبر قولهم هذا ارتكاب لجريمة الخيانة العظمى .
اما الدولة الوظيفية الحقيقية فهي دولة الكيان الصهيوني ، والتي شكلت بدعم من الدول الغربية لتكون بالنسبة لهم حصان طروادة يقتحمون بواسطتها كل دول المنطقة . وقد تجلى هذا الدور بعد عملية طوفان الاقصى ، حيث وجدت دول الغرب منها وسيلة للتدخل في المنطقة لاعادة رسم حدود الشرق الاوسط الجديد الذي يريدونه . ولا ادل على هذا الدور الوظيفي ما قاله الرئيس الحالي جو بايدن عام ١٩٨٦ ( اذا نظرنا الى الشرق الاوسط لايقاف اولئك الذين يطلبون منا الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل ، ليس علينا اي اعتذار نقدمه ، بل كان على الولايات المتحدة ان تخترع إسرائيل لو لم تكن موجودة لحماية مصالحنا في المنطقة . وان إسرائيل هي وحدها اعظم قوة تمتلكها اميركا في الشرق الاوسط ) وكما قال في عام 2011 ( دائما اقول لأصدقائي ، تخيلوا وضعنا في العالم لو لم تكن هناك إسرائيل ) وكما قال عام 2016 لو كنت يهودي سأكون صهيوني ، ابي قال لي لا يجب عليك ان تكون يهودي لتكون صهيوني ، فأنا صهيوني ) وقال يوم امس وعند وصوله الى تل ابيب لو لم تكن إسرائيل ، لعملنا على اقامتها .
وهذا يفسر الحشد العسكري والدعم المطلق من بعض الدول الغربية في هذه الايام لدعم هذه الدولة ، وربما يكون ذلك للحيلولة دون تحقق النبوءات التي تتوقع زوالها في وقت قريب ، وبالتالي خسارتهم لهذه الدولة الوظيفية.