فتحت الشعارات الجديدة حول سلوك نهج إقتصاد السوق الإجتماعي , شهية المطالبين
بالعودة الى دور كلي للقطاع العام في إدارة الإقتصاد , ومن ذلك إعادة شراء الشركات
التي خصخصت .
إقتصاد السوق الإجتماعي لا يعني التأميم , وهو لا يمت بصلة الى ماعرف سابقا وإندثر
بالإشتراكية , وبمنتهى البساطة , إنه يعني دورا حكوميا وأهليا أكبر في رعاية
الشرائح الفقيرة وإعادة بناء الطبقة المتوسطة وبوسائل لا تخرج عن سياق إقتصاد السوق
, فبدلا من تعميم الدعم كما هو الحال عليه اليوم في الكهرباء والخبز والأعلاف
والوقود , والتعليم والخدمات الصحية , يتم توجيهه مباشرة الى المستحقين بأليات تضمن
ذهابه الى جيوبهم مباشرة .
مجددا يعيد المتحفظون على برنامج الخصخصة نغمة بيع شركات كبرى بأسعار رخيصة من وجهة
نظرهم .. صحيح أن المشاريع الكبرى التي نقلت الى القطاع الخاص بالبيع أو الشراكة
خطفت ألق البرنامج ورافقها انتقادات طالت الأسعار لكنها بالمقابل تلقت الثناء على
النتائج التي أحرزتها والتي تعلقت بالنهضة التي حققتها الإدارات الجديدة ووقف الهدر
والتوظيف العشوائي وقبل هذا وذاك زيادة الأرباح وبالتالي العائد المتحقق لصالح
الخزينة , حتى أن شركات لم تكن توزع على مساهميها أية أرباح وزعت لأول مرة في
تاريخها .
لم يسجل على برنامج التخاصية الأردني بنماذجه الخاصة تسريحا واسعا للموظفين والعمال
, بل على العكس , والأمثلة على ذلك كثيرة , في الإتصالات والبوتاس والإسمنت
والفوسفات , حيث زاد الدخل وإتسعت مساحات التوظيف المطلوب , وتعددت الإمتيازات
والحقوق .
هناك دراسة محايدة , ندعو منتقدي البرنامج الى الإطلاع عليها علها تساعدهم في تكوين
وجهة نظر تكون علمية وبعيدة عن النقد لمجرد النقد نفذها خبراء بتمويل من الاتحاد
الاوروبي لقياس أثر العمليات التي نفذت بين عامي 1994 - 2008 , لتخرج بقائمة طويلة
من الايجابيات والملاحظات والسلبيات , أهم الايجابيات هي تحسين مستوى الخدمة ورفع
درجة التنافسية التي قطف ثمارها جمهور المستهلكين وزيادة فرص العمل , وأهم السلبيات
, عدم ترابط الدراسات المتعلقة بالبنية التحتية في مشاريع النقل مثلا , ويمكن إضافة
مسألة أسعار البيع أو القيم , والأخيرة فيها وجهات نظر , فهناك من رأى أن خسارة
وقعت وما كان لذلك أن يثير جدلا لولا أن أسعار منتجات الشركات كما في حالة الفوسفات
والبوتاس ارتفعت بشكل مثير ما رفع من قيم هذه الشركات .
في غمرة كثرة النقد وأسبابه في معظم الأحيان سياسية وليست إقتصادية يتناسى
المنتقدون أن إرتفاع أسعار منتجات شركات التعدين كانت الاستثناء بدليل أن الأسعار
للمنتجات بدأت تعود تدريجيا الى سابق عهدها .
اللافت في الدراسة هو الفارق في العوائد المستمرة للخزينة من خلال الضرائب و ارباح
الاسهم, ورسوم التعدين فبلغت حوالي 325 مليون دينار في عام 2008 مقارنة بحوالي 103
ملايين في عام 2000.
للدفاع عن الخصخصة لدي كل المبررات بدءا بالحاجة الى تطوير الادارة وتوفير المال
والخبرة والمعرفة والمنافسة والأسعار والتدريب وغيرها الكثير من المميزات التي يمكن
سردها , لكني لست معها بأي ثمن , خصوصا إن تعلق الأمر بحاجة الخزينة للمال بغض
النظر عن حاجة الاقتصاد الى القيمة المضافة .
إن كان القطاع الخاص الوطني قد فوت فرصا كبيرة يندم عليها اليوم , ليس أقل نتائجها
توظيف المال الوطني وعوائد الأرباح في الاقتصاد الوطني بدلا من توزيعه على الشركات
الأم في الخارج , وإن كانت أكثر هذه لم تقم بجلب المال معها من الخارج بقدر ما حصلت
عليه من البنوك لتمويل عملياتها , فان علينا اليوم أن ننظر بعين يقظة الى المشاريع
الوطنية الكبرى في المياه والطاقة , بما يحقق فوائد أكثر من تلك التي تحققت في
المرحلة الأولى لبرنامج التخاصية حتى لا نستمر في إضاعة الفرص.
النقد سهل , خصوصا إن خلا من أفكار بديلة تكون منطقية , وإن رافقته شعارات تطلب
الشعبية , وتناطح الخيال , عندها يغيب التقييم العلمي والعقلاني وتتزايد الفقاعات .
qdmaniisam@yahoo.com
الراي.