وفاة رئيس وزراء، أي رئيس وزراء، هو خبر يحظى في العادة باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام والجمهور.

ولكن للمفارقة، فإنّ وفاة رئيس الوزراء الأردني السابق لحكومتين الدكتور "معروف البخيت" قد تزامنت مع انطلاقة "طوفان الأقصى"، بحيث طغت أضواء الخبر الثاني على الأول.

الدكتور "معروف البخيت" كـ "شخص طبيعي" قد انتقل إلى رحمة الله تعالى، ولم يتبقَ له في ذمة الآخرين سوى الصفح والدعاء بالرحمة والمغفرة، والدعاء لأهله ومحبيه بحسن العزاء والسلوان.

أمّا مسيرة الدكتور "معروف البخيت" الوظيفية وإرثه السياسي كـ "شخصية اعتبارية"، فإنّهما تبقيان جزءا لا يتجزّأ من التاريخ السياسي المعاصر للدولة الأردنية، وموضوعا للمراجعة والدراسة والتقييم وإعادة التقييم من قبل الدارسين والباحثين والمهتمين.

بالعودة إلى عنوان المقال، فإنّ علاقة الدكتور "معروف البخيت" المباشرة كشخصية عامّة بـ "إسرائيل" تتمثّل في نقطتين مفصليتين اثنتين هما:

أولا أنّه كان عضوا في الوفد الأردني المفاوض في "مباحثات السلام" التي أفضت إلى توقيع اتفاقية "وادي عربة".

وثانيا أنّه سبق وأن شغل وظيفة السفير الأردني لدى "إسرائيل".

ولكن هناك مفصل ثالث أظنّه أكثر أهمية من هذا وذاك، ولكنّه للأسف مفصل لم يأخذ في حدود علمي حقه من الاهتمام والانتشار.

ففي أثناء دراستي ضمن برنامج الماجستير في "الصحافة والإعلام الحديث"، وضمن سلسلة اللقاءات والمحاضرات التي كان يحرص القائمون على البرنامج على تنظيمها مع كبار المسؤولين والشخصيات العامّة، تمّت استضافة الدكتور "معروف البخيت" للالتقاء بالطلاب والتحدّث إليهم ومعهم.

هذا اللقاء كان في فترة لاحقة لتشكيل الدكتور "معروف البخيت" حكومته الأولى، وقبل مدة وجيزة من تكليفه بتشكيل حكومته الثانية.

الموضوع الذي اختاره الدكتور "معروف بخيت" لحديثه مع الطلاب كان "حتمية الصراع مع إسرائيل"!

نعم، موضوع المحاضرة كان "حتمية الصراع مع إسرائيل"، وقد جاء هذا الموضوع مفاجئا ومباغتا لنا كطلاب في حينه؛ فها هو عضو الوفد الأردني المفاوض في "مباحثات السلام"، وها هو السفير الأردني السابق لدى "إسرائيل"، وها هو رئيس الوزراء السابق الذي ترتبط وتلتزم دولته بمعاهدة سلام مع "إسرائيل".. يتحدّث عن حتمية الصراع مع إسرائيل"!

بل إنّ الدكتور "معروف" لم يكتفِ بالتأكيد على هذه الفكرة، فكرة "حتمية الصراع"، بل تحدّث أيضا عن وثيقة أو خطة أو خارطة طريق قام بتطويرها بوصفه خبيرا عسكريا وإستراتيجيا من أجل استنهاض وحشد عوامل القوة العربية وصولا للقضاء على "إسرائيل" خلال ثلاثين سنة!

بعد هذه المحاضرة بفترة وجيزة تم تكليف الدكتور "معروف البخيت" بتشكيل حكومته الثانية، ولا أدري لأي مدى أُتيحت له ولفريقه الحكومي الفرصة للمضي قُدُما في تنفيذ خطته ووضعها موضع التطبيق.

في ظل هذا المنعطف الدقيق الذي يمر به تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي ظل هذا الظرف الوجودي الحرج والخطير الذي تمر به قضية العرب المركزية "القضية الفلسطينية"، أنا أدعو ورثة الدكتور "معروف البخيت" ومحبيه ومريديه إلى نشر خطة فقيدهم المشار إليها في حال كانت متاحة ومتوفرة بين أيديهم، وذلك لتكون بمثابة "وثيقة مرجعية" يُستأنس بها في غمرة الأحداث القائمة، ولتكون "صدقة جارية" في ميزان حسنات الدكتور "معروف" الذي انتقل إلى بارئه وأفضى لما قدّم.

الرحمة والمغفرة للدكتور "معروف البخيت"، وحسن العزاء والسلوان لأهله ومحبيه.