منذ قرن ونصف من الزمن ما يزال الفلسطيني يتنقل من مصيبة ونكبة الى أخرى، كتب عليه أن يكون ضحية لأحداث وتداعيات دولية لا علاقة له بها، لقد حتُلت أرضه وقسمت، وهُجر مرة أولى وثانية وثالثة، وعندما قرر الدخول في مصالحة تاريخية مع أعدائه تعرض لغبن فرضته قوة خصمه وضعف حلفائه، ومع ذلك وحتى هذا الغبن لم يدم طويلاً إذ تراجع الاحتلال عن وعوده، وبدأ يستبيح الأرض والمقدسات من جديد، أُغلقت الأبواب في وجه الفلسطيني، ولم يبق أمامه إلا أن ينفجر في وجه أعدائه، فهو في غزة محاصر ومقهور وفي الضفة الغربية مقسم الى جيتوهات تعزله عن ذاته وتغلق أمامه كل الأبواب، أما مسجده ومقدساته فقد أصبحت حلالاً على كل الآخرين وحراماً عليه، ودولة الاحتلال تمعن في القمع والإذلال والحصار والتجويع، وأخيراً تحققت النبوءات وحصل الانفجار في السابع من أكتوبر في عملية طوفان الأقصى والتي فاجأت العالم وأذهلت قادته، لكن لماذا يتفاجأ العالم، ألم تكن هذه هي النتيجة المحتومة لكل ذلك القمع؟ هل كان العالم ينتظر من شعب عايش أسوأ ما في القوى المستعمرة من طباع أن يلقي الورد على من حرموه العيش بكرامة كما يعيش بقية البشر؟
لقد انتفض العالم وبدون مقدمات وصف طوفان الأقصى بالعملية الإرهابية، ووصف حماس بداعش غزة، ووصف إسرائيل بحمامة السلام الجريحة والتي يجب أن ترمم جراحها بسرعة، وذلك لن يتم إلا بقتل حماس ولا بأس من قتل الشعب الفلسطيني معها، بأسرع من لمح البصر تدفقت المساعدات وحاملات الطائرات لم يحملها البحر هذه المرة بل حملتها غزارة دموع أولئك المتباكين على حقوق الإنسان، والذين عزفوا فوراً على اللحن الإسرائيلي بل وغنوه، لقد تحولت اسرائيل فجأة الى ضحية، وبهذه الحجة أمنت الغطاء الدولي وكذلك الذخيرة الدولية، بدأت فوراً وبدون تأخير بإلقاء حمم حقدها على سكان غزة المحاصرة والمنكوبة منذ سبعة عشر عامًا، نعم مُدان قتل الأطفال والمدنيين، نعم مجرّم اغتصاب النساء ولكن في حالة واحدة فقط عندما يفعله غير الإسرائيليين، أما إذا هم الذين قاموا به فهو مباح، ومثل ذلك فإن قتل المئات من الاطفال والنساء أمام أعين العالم فهذا أيضاً مباح والمبرر جاهز فحماس هي السبب لأنها تستخدمهم دروعاً بشرية، فخلال تسعة أيام ألقت دولة الاحتلال على قطاع غزة 6000 طن من المتفجرات وهو ما لم تلقه أميركا على أفغانستان خلال عام كامل، أي عشق للدم هذا؟
حددت إسرائيل اهدافها بإنهاء حماس وهي التي اوقعت بها هزيمة شنيعة، وحددت طريقتها الى ذلك باقتلاع أدوات القوة من بين يدي حماس وأولها وأهمها الحاضنة الشعبية، وثانيها المكان وثالثها الأسرى ورابعها السلاح، وها هي تقتل الناس وتقطع عنهم المياه والغذاء والكهرباء بغاية تهجيرهم، وتقصف غزة المدينة وتدمر المباني عن بكرة ابيها، أما الأسرى فلا مانع لو قتلوا إذا أدى وجودهم إلى تقييد حركة قوات الاحتلال حسب بروتوكول هنيبال، أما السلاح فلا شك أنه لغزٌ غامض من الصعب الوصول اليه لأنه في أعماق مدينة حماس السفلية، ولا بد كي يصلوا إليه من شنّ حرب برية للوصول إلى مكامنه ودون ذلك قتلى ودماء كثيرة في صفوف قوات الاحتلال.
السؤال المهم هل تستطيع إسرائيل المضي قدمًا في هذا الطريق برغم الخسائر البشرية الهائلة؟ الجواب نعم فهي لن تجد مثل هذه الفرصة في اي وقت، فهذا الغطاء الدولي الداعم يعطيها هذه اللحظة الذهبية، لذلك وجدناها تصاب بهذا السُعار الذي لا يمكن قياسة بمعايير الربح والخسار بل بمعايير الحقد والكراهية، وتحت ذريعة انهاء حماس تطمح هذه القوة الغاشمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، لكن هيهات فلا يمكن لشعب تعود على النضال وتمرس الاستشهاد وألِفَ الموت وتعود أطفاله اليتم ونساؤه الترمل أن يسلم أوراقه بهذه السهولة، وبرغم قوة جيش الاحتلال وحلفائه إلا أنه ليس من المستبعد أن يواجه بمقاومة عنيفة تعيدنا الى العام 2014 عندما عاد من غزوته البرية خائباً، وذلك ليس مستبعداً، فالشعوب المقهورة لديها لحظاتها التاريخية المتفجرة والتي تأتي على شكل طوفان يغرق الاعداء، وهذا ما تخشاه دولة الاحتلال لذلك تتصرف بهذه الطريقة المسعورة والجنونية، لأنها تدرك أن معركتها ليست سوى معركة بقاء.
الغد