دولة أبو الراغب .. "قارئ فنجان الحرب"
د.حسام العتوم
17-10-2023 09:29 AM
شخصيا سبق لي أن التقيت دولة علي أبو الراغب في مكتبه بعمان مع كتابي الثالث " مشهد من الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي – الروسية الأوكرانية و مع " الناتو " ، و استمعت لإحدى محاضراته القيمة بمعية دولة طاهر المصري -شافاه الله- ، وهو من المتابعين لإنجازاتي في مجال الكتب السياسية الخاصة بالشأن الروسي و الدولي ، و بكتاباتي الصحفية و الإعلامية في نفس المجال ، و هو صديقي ، و مسؤول إقتصادي و سياسي رفيع المستوى ، و حكيم ، و يمثل جزءا هاما من الطبقة السياسية الأردنية المثقفة ، ووسط رؤساء الحكومات في بلدنا الأردن يعتبر من الشباب ، أعطاه الله و أعطاهم العافية و طول العمر .
ولقد لفت إنتباهي مقابلة لمحطة (RT ) التلفزيونية الروسية مع دولته ، أجراها الزميل سلام مسافر ، وهي العاملة في موسكو العاصمة الروسية وبعدة لغات وفي مقدمتها اللغة العربية، و الأهم هنا هو بأن مضمون المقابلة الهامة و الممتعة ، و التي جاءت في وقتها رغم مرور أسبوعين على تنفيذها ، أعطت إشارات و معاني سياسية مستقبلية يستفاد منها الان في قراءة مشهد الحرب الإسرائيلية – الأمريكية – البريطانية ، و الغربية عموما مع حركة المقاومة الإسلامية الباسلة " حماس " ، وهي الحركة التي تصدرت النضال الفلسطيني عدة مرات منذ مغادرة مستعمرة و مستوطنة " إسرائيل " الاحتلالية لقطاع غزة عام 2005، و رغم المأساة البشرية التي وقعت و أصابت القطاع و لازالت و تسببت بسقوط شهداء كثر زاد تعدادهم عن الألفين شهيد ، و سقوط قتلى إسرائيليين في المقابل، والتي هي من جانب " إسرائيل " و أعوانها تعتبر جريمة حرب متكررة الأصل أن يحاكموا عليها في محكمة الجنايات الكبرى ، و المحتل يحاكم و ليس الواقع تحت الأحتلال ، وتصدي " حماس " للإحتلال الإسرائيلي بطولي و دخل التاريخ المعاصر ، خاصة بعد تحول حركة " فتح " بعد مؤتمر " أوسلو " عام 1993 إلى " سلطة " ، و تشابهت مع النظام العربي في عدم المبادرة في مهاجمة " إسرائيل " ، وتقدمت على " حزب الله " في ثقافة المغامرة و الهجوم على المحتل الإسرائيلي ومهما كانت النتائج ، و في هذه المرة دفاعا عن الأقصى و فلسطين ، و إيران في الظل الداعم الخفي لهما ، و هي المستهدفة من قبل " إسرائيل " أيضا ، التي تتحرش و أمريكا بمشروعها النووي العسكري السري ، و تشترك ايران مع حركات التحرر العربية في مناهضة الحضور الإحتلالي الإسرائيلي بقوة .
لقد توقع دولة السيد علي أبو الراغب حدوث نكبة جديدة في موضوع القضية الفلسطينية العادلة العالقة من دون حل جذري مقنع منذ عام 1967 ، أي منذ الأحتلال الثاني لفلسطين بعد عام 1948، و هو الذي يحدث الان ، و بالتأكيد قد لا يكون الوحيد بين رؤساء حكومات الدولة الأردنية و حكماء الأردن في مجال دقة الحدس و التوقع ، لكن ما جاء به دولته قبل إسبوعين يؤشر على مسار حاضر و مستقبل القضية الفلسطينية التي بدأت تتأزم و تتعقد ، و تنشطر إلى حرب إبادة لأهل غزة – أهل فلسطين – شعب الجبارين البطل ، ولحركة مقاومتهم المقدامة الواقعة في صدارة جبهة القتال مع " إسرائيل " ، بعد تحول حركة " فتح " إلى سلطة مسالة كما ذكرت هنا أعلاه ، و إلى مشروع تهجير إلى سيناء و الدول العربية المحاددة لإسرائيل ، و هو الذي تدعي " إسرائيل " المخادعة ، و ضمن وفي اطار برنامج أمني سري للموساد و السي أي إيه على ما يبدو على أنه مؤقت و يحتاج لفزعة الأخوة العربية ، ووزير خارجية أمريكا بلينكين كلفه نتياهو و أرسله للقاهرة لجس نبض مصر بخصوص التهجير ، وعاد من هناك خاوي اليدين كما أعتقد ، و " إسرائيل " كاذبة بطبيعة الحال ، و معتادة على الكذب و الخداع ، و تريد غزة من دون سكانها الأصليين ، و ستقدم لها أمريكا قنبلة Gdam الساحقة للقطاع ، و عملية عسكرية برية قادمة ستكون خاسرة بعون الله ، و لا تفرق " إسرائيل " بين دولة عربية و جيشها ، و معها أمريكا و المنظومة الغربية ، و بين حركات التحرير العربية ، ولديها جاهزية الأنقاض على أي منها ، و عليهم جميعا ، عندما تدعو الحاجة لذلك ، و في أي وقت، و المعروف لنا ، هو بأن الغرب ، هو من حول " إسرائيل " لدولة نووية السلاح إلى جانب السلاح التقليدي الحديث ، وهو الذي تخفيه " إسرائيل " ، و كشفه للرأي العام الخبير الإسرائيلي مردخاي فعنونو عبر صحيفة الصنداي تايمز عام 1986 ، و لدولة أبو الراغب حديث خاص في مجاله هنا للإعلام الروسي .
لقد قال لقنا RT دولة أبو الراغب بأن القضية الفلسطينية هي الرئيسية للأردن ، و تمثل جزءا كبيرا من حياته و تطلعاته المستقبلية ، و يسعى للسلام ، و لتخفيف العنف و لإقامة الدولة الفلسطنية وعاصمتها القدس الشرقية ، لكن القضية الفلسطينية حسب قول دولته غير قابلة للحل بوجود اليمين المتطرف الإسرائيلي و الثلاثي ( نتنياهو ، و بن غافير ، و سيموتريش ) ، و بأن لا سلام من دون حل ناجع للقضية الفلسطينية ، و التطبيع العربي يقابل بتشدد إسرائيلي ، و التطبيع السابق العربي لم يخفف العنف ، و يتسائل ؟ و يقول بأن خطاب نتياهو في الأمم المتحدة و الذي يشير لمساحات واسعة من الأحتلال مستغرب و ينفي وجود فلسطين ، و يهدد أمن الأردن ، و بأن إتفاقية " أوسلو " ولدت ضعيفة ، ماتت , و دفنت ، إعترفت بمنظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني ، و بإسرائيل من دون حدود و من دون دستور، وهي التي فاجئت الملك الراحل الحسين بن طلال " طيب الله ثراه " ، و تمنى أن تكون نهاية " إسرائيل " كما توقع المنجمون قريبة ، حيث المتوقع أن تدوم 80 عاما فقط ، لكن غولدامائير تمنت أن لا تظهر قيادات عربية قوية حتى لا يتحقق الحلم العربي ، و " إسرائيل " معنية بالتفكك العربي في أكثر من مكان – في سوريا ، و في ليبيا ، و في السودان ، و في اليمن ، و تحييد الأردن .
و حول موضوع إغتيال إسحق رابين ، إستغرب دولة أبو الراغب عملية الإغتيال البسيطة المظهر ، أو بأن حركة كاهان وقفت خلفها فقط ، و المح بوجود قوى كبيرة وقتها نفذت إغتيال شخصية كبيرة كانت صادقة في مشروع سلامها مع العرب ، في الجولان ، و في غير مكان ، وقال بأن الأردن له مخاوف من قضية ترحيل الفلسطينيين ، و له في المقابل علاقات دولية واسعة متميزة مع كل دول العالم تقريبا ، و قال بأن " إسرائيل " لا تعاقب على أفعالها ، و هو المستغرب أيضا ، و نراها تقتني دبابة جديدة من نوع " باراك " في زمن السلام مع العرب ، فماذا تريد حقا غير التوسع ، دعونا نتأمل ؟! و " إسرائيل " التي نعرفها ، حسب أبو الراغب تعمل بسرية تامة و لا تفصح عن اتفاقياتها و أعمالها خاصة النووية العسكرية منها ، لذلك يذهب أهل السياسة إلى التخمين حولها.
ومثلما رحب دولة الصديق علي أبو الراغب بقناة "RT" بحضورها لعمان و لمنزله العامر ، أشكر شخصيا دولته على مقابلته الناجحة و الواضحة و العميقة التي إستشرفت المستقبل في أكثر مناطق العالم سخونة ، خاصة ما يتعلف بأفق القضية الفلسطينية العادلة المحتاجة لحلول جذرية ناجعة تضفي إلى سلام دائم في المنطقة و العالم ، وكل الشكر و العرفان لجهود جلالة الملك عبدالله الثاني "حفظه الله " الأوروبية لإيجاد مخرج لأزمة غزة على مستوى وقف إطلاق النار وعلى مستوى توصيل المساعدات الانسانية لأهل القطاع بسبب نكبتهم الحالية .
و لسنا في منطقتنا العربية في المقابل بحاجة لأسلحة الغرب الأمريكي إلى وسط قطاع غزة، وهو الذي زاد الطين بلة، وحول الكارثة إلى مصيبة كبيرة، ونعم لشكر روسيا الاتحادية العظمى على موقفها و رئيسها فلاديمير بوتين المشرف إلى جانب قضية غزة و عموم فلسطين عبر مجلس الأمن و عبر التصريحات الرئاسية المفيدة للرئيس بوتين التي قارنت حصار غزة بحصار ليننغراد، والأمر يحتاج لوقفة شعبية مساندة للموقف الروسي المشرف أمام سفارة روسيا تعبر عن الموقف الفلسطيني والأردني والعربي الموحد الشاكر لروسيا بكل تأكيد، ولا يفوتنا هنا بأن روسيا هي من تقود عالم الأقطاب المتعددة العادل والمتوازن، وشتان بين موقفه الشجاع والمساند للقضية الفلسطينية العادلة وبين موقف أُحادية القطب الغربي الأمريكي السلبي تجاهها .