كانت الحكومـة السـابقة تحت الضغـط عندما اختارت الخـروج عن الموازنـة التي قدمتها إلى مجلـس النواب، فقررت تقديـم حزمـة من التنازلات المالية من شأنها زيادة النفقـات الجارية وإنقاص الإيرادات المحلية وبالتالي زيادة العجـز بمبلغ يتراوح بين 320 إلى 500 مليـون دينار.
هـذه القرارات الاستثنائية تتطلب إخضاع مشـروع الموازنة للمراجعة والتعديل لأخذهـا بالحساب، إما عن طريق استردادها إلى وزارة المالية لإعادة صياغتها، أو بالتوافق بين الحكومة ولجنة مجلس النواب الاقتصاديـة والمالية، علماً بأن زيادة النفقـات الجارية تقع دسـتورياً خارج صلاحيات مجلس النواب.
لو جـرى تعديل الموازنة حسـب القرارات المعيشية التي اتخذتهـا الحكومة السـابقة فإن العجـز سيرتفع بمقدار الثلث ليتجاوز 5ر1 مليار دينـار أو 5ر7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسـبة عالية جـداً وغير آمنـة وتعتبر وصفة للأزمة.
لا بد إذن من تخفيض النفقات الرأسمالية، ولها مخصصات هائلة فرضت على وزارة المالية من قبل لجان قطاعيـة يهمها أن تنفـذ مشاريعها وتعطيها أولويـة بصرف النظر عن الصورة المالية العامة التي لا تسـمح بذلك.
من المحزن طبعـاً أن يتم تخفيض النفقـات الرأسمالية ليس لتخفيض العجز بل من أجـل زيادة النفقات الجارية، فهذه خطوة واسـعة إلى الوراء، ولكن السماح بارتفاع العجز يقطع خطاً أحمر ويمثل سـقوطاً في حفرة الأزمة.
بهذه المناسـبة نذكر أن بين الإصلاحات السياسية المطلوبة من الحكومة الجديدة إعـادة الاحترام للموازنة العامة التي تصـدر بقانون ملزم، وليسـت مجرد تقديرات يجـوز الخروج عنها بجرة قلـم.
في كل سنة نشـهد خروجاً على الموازنة العامـة ومبادرات توضع موضع التنفيـذ قبل أن ترصد لها مخصصات، حتى أصبحت القناعة العامة أن الموازنة مجرد توقعات ليس من الضرورة أن تطبـق، فليس هناك ما يمنع من تجاوز المخصصات. طالما أن ملاحق الموازنة تصدر بمنتهـى السهولة.
حتى هـذه الملاحق لا تصدر من أجل السـماح بالصرف الإضافـي بل بعد الصرف، أي أن المحلق يقـدم إلى مجلس النواب كتحصيل حاصل، وليس أمامه سـوى أن يضع خاتمـة على نفقـات ثـم صرفها فعلاً ولا يمكن اسـتردادها.
المرونة مطلوبـة ولكن ليـس في الإدارة الماليـة.
(الرأي)