كانوا وما زالوا وما انفكوا وما برحوا يحشون رؤوس التلاميذ بحجج سخيفة للدفاع عن قضايا عادلة ، ليست بحاجة الى هذه الحجج والتبريرات أصلا ، مثل قصة: (من لا يملك الى من لا يستحق) التي كانوا يضعونها ضمن 16 بندا ل(تفنيد وعد بلفور) التي كنا ندرسها في كل صف دراسي من الرابع الابتدائي حتى التوجيهي .. وما كنا في الواقع بحاجة لها ، ففلسطين قضيتنا ، والصهيونية هي استعمار بكل ما في الكلمة من معنى ، وليس ثمة من داع للتعامل مع الأمر بعقلانية سمجة لنضع بنودا لتبرير رفضنا للوعد المشؤوم.
هذا ليس موضوعنا بالأساس ..... موضوعنا هو قصة الاستعمار الأوروبي للعالم العربي الذي بدأ في القرن الحادي عشر واستمر حتى الرابع عشر ، والمصطلح على تسميته بالحروب الصليبية .... إذ كنا ندرس في (تفنيد) حق الأوروبيين في احتلالنا ، القول بانهم كانوا يتحججون بأنهم يريدون جعل طريق الحج المسيحي الى بيت المقدس آمنة ، وكنا نقرأ في جميع الصفوف الدراسية عن قول لمستشرق او مؤلف ما بأنه ذهب في تلك الفترة من اقصى الشرق الى اقصى الغرب ثم من الشمال الى الجنوب مرورا وعودة من بيت المقدس ، دون ان يتعرض له احد أو يحاول ان يسلبه احد.
ولما كبرنا واهتم بعضنا بالتاريخ ، اكتشفنا بأن هذه العبارت مضللة ومظللة ، وبأن تلك المنطقة كانت ساحة كبرى للصراع بين الخلافة العباسية ومن يمثلها من سلاطين وسلاجقة وبين الفاطميين ومن يمثلهم ومن تلاهم ، وفي الوسط القبائل العربية المتصارعة من جهة والمتحاربة مع احدى الخلافتين أو مع كليهما. وكانت شعوب تلك المنطقة تعيش حالة مؤلمة من عدم الأمان بعد حرق الزروع والبيوت وكل شيء.
يعني: لم يكن هناك أمان على الإطلاق في طريقي الحج الإسلامي والمسيحي ، لكننا ومن خلال محاولتنا اثبات عكس ذلك اعتمادا على قول ينسب لشخص واحد (اذا افترضنا ان شخصا ما قاله حقيقة) ، نسينا حقيقة مهمة وواضحة هي أن الحروب الصليبية هي استعمار واضح تماما ، وأن علينا أن نقاوم هذا الاستعمار دون أن نرهق انفسنا في تفنيد حججه وتبريراته.
الحقيقة الوحيدة هي ان الصهيونية استعمار وأن وعد بلفور هو شرارة استعمارية ولا حاجة لتفنيدها ، وأن الحروب الصليبية هي استعمار بكل ما في الكلمة من معنى بشع ، ولا حاجة الى ترديد الأكاذيب من أجل منح انفسنا الحق في مقاومته ، فمقاومة الاستعمار حق طبيعي لجميع الشعوب الحية ، ولا حاجة للاستعانة بالأكاذيب التي لا تمر سوى علينا .
ghishan@gmail.dom
(الدستور)