الذكاءُ السياسي والملفُ الإسرائيلي !
د. عادل محمد القطاونة
15-10-2023 07:44 AM
لا يختلفُ إثنان على أن جزءاً من السياسة يُبنى على الذكاء والدهاء؛ في السياسة الخارجية على وجهِ التحديد يلعب الذكاءُ والدهاء، الإستقراء والإستقصاء دوراً هاماً في تحقيق الأهداف والوصول لنتائج مُرضية ومقنعة، كافية ووافية؛ فالتخطيطُ الجيد يُمكن الدولة من توقع التطورات المستقبلية وتوفير الأدوات اللازمة للتعامل مع تلك التطورات، ومن ثم فهو يقلل من حالة عدم اليقين التي تميز السياسة الخارجية بحيث لا يفاجأ صانع السياسة الخارجية بمواقف جديدة ليس مستعدًا للتعامل معها، بالإضافة إلى أن سياسة الدول الخارجية تغدو قائمة على الفعل أكثر من رد الفعل! .
لقد أصبح قادةُ السياسة اليوم بحاجة إلى "الذكاء السياسي" (PQ) لتحقيق التقدُّم في المستقبل، من أجل الوصول لإنجازات حقيقية واقعية مبنية على أساسات وليس افتراضات، قائمةٍ على المعطيات وليس الحكايات، قادرة على تحقيق المطالب الشعبية والوطنية ضمن المصالح الدولية، ضمن إطار فكري عميق يحكمه العقل والمنطق، وليس الأمنيات والتناقضات! .
مع انفجار الوضع السياسي في غزة، وفي صراع حقيقي ما بين الجيش الاسرائيلي والفصائل الفلسطينية، وفي معادلة معقدة يرى فيها الطرفين الأحقية بالوجود والنفوذ، ومع اختلاف قوى الدعم السياسي والعسكري للطرفين، وفي ظل حربٍ إعلامية شرسة تغلفها مواقع التواصل الاجتماعي بدا واضحاً أن العالم بحاجة اليوم إلى فكر سياسي من نوع مختلف، فكرٍ يسمح لرواده في فرض كلمتهم في سلامٍ كامل عادل، سلام شامل يكفل استعادة الحقوق بعيداً عن المزايدات والاتهامات! .
يرى الاسرائيليون اليوم أنفسهم في موضع الضحية، وأن كل ما يحصل من هجوم على غزة هو نتيجة الهجوم الفلسطيني، وأن على دول العالم أجمع أن تقف لدعمهم مادياً ومعنوياً، عسكرياً وتقنياً، وتناسى قادة الساسة هناك ان التعنت في علاج أصل المشكلة هو السبب!، فقرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي يُرسي مبادئ السلام العادل في الشرق الأوسط، والقائم على إنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلّتها عام 1967 لم يًرى النور على الرغم من صدوره قبل 57 عام ! رافق ذلك محاولات اسرائيلية مستمرة في التوسع الاستيطاني غير المشروع واقتحامات للمسجد الأقصى وغيره من الأفعال المستفزة بحق الشعب الفلسطيني.
إن من الحكمة السياسية اليوم التفكير الفوري بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة بعيداً عن المعطيات والمسميات، والسماح للمنظمات الدولية في التدخل السريع لضمان معالجة الجرحى والمرضى، والتعامل مع ملف الأسرى من الطرفين بكل حكمة وإتزان، واتخاذ القرارات اللازمة والإمكانات الكافية للوصول لحل منطقي يعطي الأرض للفلسطيني ويحقق الأمن للإسرائيلي، بعيداً عن سياسة التدمير والتهجير، الضربات العسكرية والغارات الجوية، حتى لا يؤدي كل ذلك إلى خلق جيلٍ كاره للسلام والأمان وباحث عن القتال والإنتقام، فالحقوق الفلسطينية ليست موضوعاً للتأجيل والتعديل، ولكنها الحل الأمثل للإستقرار والإستمرار.