هذه المرة لا يمكن لما يجري داخل غزة، من مذابح أن يكون عادياً من حيث الكلفة والنتائج، حتى لو لم تظهر كل النتائج فوراً، فنحن أمام ظرف نادر واستثنائي سيعيد صياغة المنطقة.
تنتقم إسرائيل من أكثر من مليوني شخص داخل غزة، ليس لهم علاقة مباشرة أصلا بأي تنظيم داخل غزة، وتوظف العمليات العسكرية التي تمت ضدها لتحقيق مخططات إستراتيجية.
حين ينزح مئات الآلاف من مناطق مختلفة من غزة، ويتم هدم آلاف البيوت، وشطب كل غزة على صعيد كل الخدمات، فمن الواضح أن القصة ليست انتقاما من أي تنظيم، بل من شعب كامل، وهناك أهداف محددة يراد تنفيذها في هذا التوقيت، بتغطية من دول غربية.
أبرز هذه الأهداف، التخلص من كتلة ديموغرافية فلسطينية لتخفيف عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية البالغ عددهم سبعة ملايين شخص، منهم أكثر من مليوني شخص في غزة، 64 بالمائة منهم لاجئون من مدن فلسطين المختلفة إثر حرب 1948 يعيشون في 8 مخيمات، وكأن هؤلاء أمام نكبة جديدة، وهي أسوأ من الأولى، فلا مكان يذهبون إليه، سوى العراء، فلا مصر تقبلهم خوفا من توطين الفلسطينيين، ولا إمكانات عند بقية الغزيين لاستضافتهم، ولا وسائل لإدامة الحياة بينهم، ولا حل لهم سوى إقامة مخيمات جديدة عند الحدود المصرية الفلسطينية.
الهدف الثاني هو حرق غزة بالعمليات الجوية أولا، والعملية البرية- إذا تمت- تأتي ثانيا، ومن خلال العمليات الجوية في المناطق التي بلا سكان في شمال غزة تحديدا، سيتم تدمير البيوت والأهداف وكل المواقع التي تستهدفها إسرائيل بما يؤدي إلى تدمير كل البنى التحتية للمقاومة من جهة، وللحياة الإنسانية من جهة ثانية.
الهدف الثالث هو إنهاء الحاضنة الشعبية للمقاومة، وانفضاض الناس عن دعمها بعد الذي تعرضوا له في ظل هذه الظروف المأساوية، التي لم يعشها الفلسطينيون منذ عام 1948.
والهدف الرابع إثارة ذعر أهل القدس والضفة الغربية وفلسطينيي 1948، من القدرة العسكرية الإسرائيلية أمام المشهد الذي نراه باعتباره قابلا للتكرار في القدس والضفة الغربية وفلسطين 1948 مثلا، بما سيؤدي أيضا إلى طرد المقدسيين وأهل الضفة ونزع الجنسية عن فلسطينيي 1948 بذريعة يهودية الدولة، وهذا السيناريو يقودنا لمخططات توطين الفلسطينيين في الأردن.
أما الهدف الخامس ردع حزب الله وإيران تحديدا، وإرسال رسالة لهما حول الدور المقبل عليهما، خصوصا، مع المواجهات الجارية الآن في جنوب لبنان، وإسرائيل غير قادرة حتى الآن على فتح جبهة مع لبنان، وحزب الله أيضا مقيد بمعادلاته اللبنانية، ومعادلات إيران الإقليمية والدولية، في ردود فعله، لكن الواضح أن كل الحسابات السياسية، قد لا تصمد أمام تطورات الميدان، بما يجعل كل المنطقة مرشحة للانزلاق لحرب إقليمية مهما حاول كثيرون تجنبها، وليس أدل على ذلك من الدعم العسكري الأميركي والبريطاني لإسرائيل.
الهدف السادس، إنهاء اتفاقية أوسلو وكل عملية السلام، بعد فصل غزة عن الضفة الغربية في مشروع الدولة الفلسطينية الآن، حيث ستتحول إلى منطقة بلا سكان، أو سيتم السماح بإقامة إدارة محلية تابعة للاحتلال داخل القطاع، وهذا سيناريو مطروح بكل قوة هذه الأيام.
الهدف السابع وهو محتمل ويناقض الهدف السادس، حيث ستعاد غزة إلى سلطة أوسلو في رام الله، التي ستكون قد فقدت الرديف الأساس الذي حاربته أيضا طوال عقود بذريعة السطو على السلطة في غزة، بعد الانتخابات التي جرت، وسيؤسس ذلك لمرحلة جديدة.
أما الهدف الثامن فسوف يتحقق في حال نجاح مخطط إسرائيل الحالي، ويرتبط بمصير المسجد الأقصى، وهدمه كليا، أو تقاسمه، خصوصا، إذا نجحت مخططات إسرائيل الحالية.
الهدف التاسع يتعلق برغبة إسرائيل بتتويج وجودها قوة عظمى تسيطر على الشرق الأوسط، وتسطو على موارده، وتعيد صياغة معادلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويأتينا الهدف العاشر أي استعادة سمعة إسرائيل المهدورة أمام مجتمع الاحتلال، واسترداد جاذبية الاحتلال بين يهود العالم لتشجيعهم للهجرة، بعد أن أدت عمليات المقاومة إلى نسف أسطورة إسرائيل، وتحويلها إلى دولة هشة، مهددة كل وقت وحين، برغم قوتها العسكرية.
إسرائيل فتحت باب جهنم وإغلاقه هذه المرة ليس بيدها، وعلينا أن ننتظر إلى أين ستقود غزة كل المنطقة العربية، وربما بعض دول العالم.
الغد