لعلنا اليوم وبظل الظروف التي تحيط بنا وخاصة في غزة وفلسطين ،نستذكر تصريحات واعترافات اعلامية لعبت دورها وخاصة في عام 1967م عندما اتضحت صورة إسرائيل أن نصرها العسكري لم يحقق لها احلامها في كسر شوكة العرب وتحقيق الاستقرار الآمن في المنطقة وتكوين الامبراطورية التي تمتد من النيل الى الفرات على حساب الشعوب العربية في الشرق الاوسط.
في عام 1969م نشر كتاب للكاتب وعضو الكنيست يوري أفنيري وهذا الكتاب يعتبر في حينه من أحدث الكتب التي كتبت عن فلسطين ولعلها من أخبثها قصداً وغرضاً .اذا استعرضنا حياة الكاتب اليهودي الالماني والذي هاجر الى فلسطين عام 1933م ، وانضم الى منظمة أرجون بعمر الخامسة عشر وكون جماعة سياسية أسماها الشباب الفلسطيني وكانت تنادي بأن الدولة اليهودية الجديدة يجب أن تنتمي للشرق الاوسط وان تنضم الحركة القومية اليهودية والحركة القومية العربية لتكون جبهة سامية متحدة تقف في وجه المستعمر البريطاني .
وفي آخر عام 1947م نشر كتاب اسماه الحرب والسلام في المنطقة السامية يندد فيه بمشروع التقسيم وان التقسيم سيكون بداية حرب طويلة بين اليهود والعرب وفي عام 1965م اصبح عضو الكنيست الاسرائيلية وكان ينادي بتكوين اتحاد فيدرالي يسمى الاتحاد السامي يضم كل دول الشرق الاوسط لتحقيق السلام في العالم .
أما المبالغ فيه في كتاباته انه يحاول التجرد من التحيز لليهوديته الا انه يفضح نفسه .أستعرض يوري في كتابه حرب 1967م وتحت عنوان الحرب التي لم يردها أحد واستعرض الدعاية اليهودية ان العرب يريدون إبادتهم وذلك نتيجة الاخبار العربية التي تتحدث عنهم وتستغل هذه الاخبار لترسيخ هذا الاعتقاد للعالم الغربي وان الدعاية العربية لأبادتهم هي من جعلتهم يحملون السلاح ليدافعوا عن أنفسهم ،ويصور الكاتب أن الإسرائيليين محبون للسلام .أما الدائرة المفرغة بالكتاب كيفية سرد وعد بلفور وكيفية تحقيق الحلم الصهيوني ولخصها بخمس نقاط ونهاها بكذبة مفضوحة أن الصهيونة حركة اصيلة لم يخلقها احد سوى الصهيونيين انفسهم وأن خطر الافتراض ان اسرائيل ستختفي في المنطقة اذا اختفى شركائها الامبرياليون وهذا الافتراض ما هو الا وهم وسراب .
وفي الكتاب اضاف فصلاً عن بن دافيد بن غوريون وكيف اسمى نفسه عندما وصل عام 1905 -1906الى فلسطين من بولندا ويستعرض الاحداث مثل حادث لافون والاعتداءات على غزة والعدوان الثلاثي والاعمال الانتقامية التي كان يقوم بها ضد العرب .
وتنقل الكتاب بنا الى وصف حياة موشي دايان الذئب المتوحد كما وصفه ،وشرح الكثر عن حياة الذئب المتوحد ولكنها كانت فلسفته بأنه رجل يؤمن بأن مجرد فكرة السلام ليست الا شيء يضعف المعنويات ودايان لم يكن له تاريخ يذكر عام 1948م بل على العكس كان عمله العسكري اقرب الى الفشل ولولا بن غوريون لم يكن هناك ذكر له وخاصة بحرب 1948م .
واضاف عن الاحزاب الاسرائيلية والذي أكد أنها تأسست قبل وجود اسرائيل وانها تختلف عن احزاب العالم بأن الاحزاب في العالم سياسية اما الحزب في اسرائيل هو بحد ذاته دولة .وان اقدم حزب تأسس في العشرينات وان الاحزاب وجدت لتؤسس الدولة .وينادي المؤلف بإنشاء جمهورية عربية فلسطيينية على ان يتم اتفاق فيدرالي مع اسرائيل وتصبح القدس المتحدة عاصمة الاتحاد وعاصمة البلدين .
ويختم المؤلف لفكرة الاتحاد الكونفيدرالية والفوائد التي تعود على المنطقة ولكنه لم ينسى ان يختم بإشارة تهديد مبطنة فيقول (ولكن للوقت أهميته وان نشوب حرب جديدة أمر مؤكد ولكن الشيء الوحيد غير المؤكد هو موعد نشوبها )، وأن الحرب القادمة ستكون حرباً مختلفة بحيث تبدو حرب 67 مجرد تدريب لم تخلى من الانسانية .ومن خلال قرائتي هو لا يطالب بوجود اسرائيل، بل صهاينة ويطالب بتطوير الصهيونية في إنشاء دولة كبرى وبطريقة ملفوفة .
اذا استعرضنا الأسماء جميعها نجد بأنها كلها التفاف من دول أخرى وتدريبهم وتعليمهم وبناء أنفسهم في دولة وارض فلسطين ،لعل احلامهم لم تنتهِ، وكانت وما زالت غزة هي الشوكة المزروعة بحلق اسرائيل .
واليوم التصوير التكنولوجي الذي يتحدث به الكتاب وزرع الاعلام الاحترافي أمام العالم وخاصة أمام حليفتها امريكا ودول الغرب المساندة لها، هي تاريخ بدون تاريخ ولكنهم يصنعوه باحترافية ليقنعوا العالم بأنهم الاطفال التي تآكل حقهم، أما العرب الذئاب هم المتهمين .
ولكن السؤال الذي حمله كتاب طبع في عام 1969م، هل هي بداية الحرب المدونة بالكتاب ولكن بدون تاريخ؟، نحن اليوم أمام مفترق من الطريق وتغيير آخر بالشرق الاوسط الجديد وهذا ما تؤكده لنا الاحداث وحالات التصريحات التي صدرت من دول مختلفة وكأن قطعة الكيك أصبح عليها خلاف بالتقطيع الجديد .
ولكن يبقى السؤال الانساني ما ذنب الشعوب للتتحمل هذه السياسات الجديدة ومحو ديمغرافيا للاشخاص وتراث وبناء عالم جديد لم يشبهنا يوماً ؟!..