إن الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس هو وضع مأساوي ومعقد، ومن الضروري التعاطف مع سكان غزة الذين يتحملون وطأة هذه الأزمة.
إن المعاناة على كلا الجانبين لا يمكن إنكارها، ولكن عندما ندرس ديناميكيات هذا الصراع، يصبح من الواضح بأن سكان غزة يستحقون تعاطفنا ودعمنا.
ومع تصاعد الوضع، من الأهمية بمكان أن نفهم الشبكة المعقدة من السلطة والتاريخ والمعاناة الإنسانية التي أدت إلى هذه النقطة. إن الهجوم الأخير الذي شنته حماس على إسرائيل، والذي أسفر عن خسائر في الأرواح وهروب الإسرائيليين من المستوطنات الواقعة في غلاف غزة كما شاهدنا في الفيديوهات المنتشرة، دفع إسرائيل إلى النظر الى غزو بري واسع النطاق لقطاع غزة. إن الخسائر في كلا الجانبين مدمرة، حيث قتل أكثر من 1,000 إسرائيلي وجرح أكثر من 2,600، واستشهد أكثر من 1,000 فلسطيني في غزة، وفقا للتقارير.
ومع ذلك، وقبل التسرع في المزيد من العمل العسكري، من الضروري النظر في الصورة الأكبر. قد تكون حماس بالفعل تستفز إسرائيل، ولكن ما الهدف؟ ومن خلال جر القوات الإسرائيلية إلى معركة برية مطولة، يبدو أن حماس تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص وتحدي القوة العسكرية الساحقة لقوات الدفاع الإسرائيلية. وهم يدركون جيدا أن الشوارع المزدحمة في مدينة غزة، والأنفاق التي بنوها وشكلوها مثل الدهاليز، ومخيمات اللاجئين توفر ميزة استراتيجية على أرضهم، مثلما فعل «حزب الله» في جنوب لبنان من عام 1985 إلى عام 2000.
وقد تهدف استراتيجية حماس إلى زيادة كسب مصداقيتها السياسية، وخاصة في الضفة الغربية، حيث ينظر العديد من الفلسطينيين بالفعل إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها غير فعالة. إن احتمال اضطلاع حماس بدور قيادي في تمثيل الشعب الفلسطيني هو مصدر قلق كبير، ولكن لا ينبغي إغفال يأس الناس في غزة. وغالبا ما تستغل الجهات الفاعلة السياسية ظروفهم القاسية لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
ومع تصاعد الصراع، تصبح الديناميكيات الإقليمية أكثر خطورة. ويمكن لحماس الاعتماد على حليفها حزب الله، الذي شارك مؤخرا في القتال على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، مما زاد من تصعيد التوترات. كما يهدد الوضع بتعطيل المحادثات الدبلوماسية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وربما تقويض اتفاقيات إبراهيم "ِAbraham Accords"، وهي اتفاقيات وعدت بمسار للتطبيع العربي الإسرائيلي.
ربما تكون حماس قد أعادت بالفعل ضبط إعادة الاصطفاف السياسي في الشرق الأوسط من خلال تعطيل المحادثات الدبلوماسية المحتملة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ولكن إذا تصاعدت غزة الآن إلى حرب برية مطولة، فقد تقوض «حماس» أيضا "اتفاقيات إبراهيم"، التي أرست اتفاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وتكسر اتجاه التطبيع العربي الإسرائيلي المتزايد.
لم تتمكن السلطة الفلسطينية من عرقلة اتفاقيات إبراهيم، لكن حماس لا تزال قادرة على إلغائها. وبطبيعة الحال، يمكن لإسرائيل الاعتماد على الدعم الأمريكي في اتخاذ خطواتها التالية. أرسلت إدارة بايدن حاملة طائرات ضاربة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، فيما وصفته بأنه "وضع ردع" سيوفر للجيش الإسرائيلي "معدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر".
أكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مباشرة بعد المؤتمر الصحفي للرئيس بايدن يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 2023. وخلال الأسبوع المقبل أو نحو ذلك، يمكن لإسرائيل أن تدمر الكثير من البنية التحتية لحماس. سوف يوجه جيش الدفاع الإسرائيلي غضب الأمة إذا شن غزوا بريا لغزة وسيفرض ثمنا باهظا لمذبحة حماس في كيبوتس كفارعزة. ومع ذلك، من الناحية العملياتية، تعقد «حماس» حرية عمل «جيش الدفاع الإسرائيلي»، نظرا لأنها تحتجز ما لا يقل عن 150 رهينة.
وإذا استمرت الحرب البرية، فإن إسرائيل ستحقق مكاسب في ساحة المعركة، ولكن من شبه المؤكد أنها ستفشل في تدمير أيديولوجية حماس الحاكمة أو تطلعات الفلسطينيين غير المحققة لإقامة دولة. ولهذا، تحتاج إسرائيل إلى حلفاء عرب على الأرض وفي المنطقة.
ولكسب دعم القادة الإقليميين الرئيسيين، سيتعين على إسرائيل تقديم تنازلات أمنية كبيرة ومعلومات استخباراتية في حالة نشوب حرب أوسع مع إيران وتحديد أفق سياسي هادف وواضح لدولة فلسطينية ما بعد عباس وما بعد حماس. ومع ذلك، يواجه نتنياهو فجوة حادة في المصداقية على الصعيدين المحلي ومع جيران إسرائيل العرب. إن حكومة وحدة وطنية حقيقية هي وحدها القادرة على تخفيف تهديد «حماس» من خلال دبلوماسية خارقة في المنطقة. هذا النجاح قد يكلف نتنياهو وظيفته.
وفي هذه الفترة الصعبة والمروعة، يستحق سكان غزة تعاطفنا ودعمنا. ولا يمكن تجاهل المعاناة التي يتحملونها، سواء بسبب النزاع أو الظروف المعيشية القاسية. ويجب أن نتذكر أن غالبية سكان غزة هم من المدنيين الأبرياء الذين وقعوا في دائرة عنف تبدو بلا نهاية. إنها مأساة ذات أبعاد هائلة.
دعونا لا ننسى الظروف الأليمة التي يعيشها سكان غزة. هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 360 كم مربعا، والتي تضم أكثر من مليوني فلسطيني، هي واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض. إنه مكان تندر فيه الضروريات الأساسية، وتتسم الحياة اليومية بالمشقة والشدائد. سكان غزة ليسوا مهندسي هذا الصراع، لكنهم يتحملون عواقبه.
ويجب على إسرائيل، في سعيها لتحقيق الأمن والسلام، أن تدرك أن الغزو البري خطوة محفوفة بالمخاطر. ويمكن أن تكون العواقب على كلا الجانبين كارثية، مما يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء والمعاناة. ويجب على إسرائيل أن تسعى إلى حلول دبلوماسية، سواء داخل المنطقة أو على الساحة الدولية.
وبينما نشاهد هذا الصراع المأساوي يتكشف، يجب أن نتوجه بقلوبنا إلى شعب غزة. إن التعاطف والدعم والجهد الدولي الجماعي هي السبيل الوحيد لضمان ألا تؤدي هذه الأزمة إلى كارثة دائمة لأجيال قادمة.