ليس بالبرقيات وحدها يكون الولاء
د.خليل ابوسليم
17-02-2011 11:26 PM
حرب البيانات ما زالت مستعرة على الساحة الاردنية، أشعلتها تلك الصادرة عن المعلمين المطالبين باحياء نقابتهم، ثم أججها البيان الشهير بالأول من أيار الصادر عن المتقاعدين العسكريين، ثم تلاحقت بعد ذلك حرب البيانات وما زالت تدور رحاها إلى ساعتنا هذه.
البيانات المطالبة بالحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد ومأسسة عمل الدولة، غالبا ما يوصف أصحابها بالمعارضة وأصحاب الأجندات الخارجية، فيما أصحاب البيانات المضادة يعتبرون أنفسهم الأوصياء على البلد وبأنهم الموالاة، وبالتالي انقسم الشارع الأردني ما بين معارضة وموالاة، ومن بقي منهم وقف متفرجا إلى أين يسير الركب.
الملفت للنظر هو، ما أن يصدر بيان حتى يصدر آخر مضاد له شاجبا ومستنكرا ما صدر في البيان الأول، ولم يعد خافيا على كل ذي بصر وبصيرة تلك اليد الخفية واللمسة السحرية التي تقف خلف البيانات المضادة بهدف شق الصف وتفتيت الكلمة، ولا أظن الحكومة بريئة من ذلك.
إلى من يوسمون بالمعارضة، نقول لقد أصبتم في كثير مما ورد في بياناتكم، ولكن خانكم التعبير أحيانا، لذلك لابد من تذكيركم بذلك الرجل الذي ذهب إلى هارون الرشيد ناصحا فأغلظ عليه في الحديث، فقال له الرشيد: يا هذا لقد بعث الله من هو أفضل منك إلى من هو أسوا مني، لقد أرسل الله موسى وأخيه إلى فرعون حيث قال تعالى ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى)، أما عن الحاكم القوي الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يدعي الصواب في كل ما يقول ويفعل ويرجو سماع كل شيء من رعيته، فيكفينا أن نذكر بقول الفاروق ( لا خير فيه إن لم يقلها ولا خير فينا إن لم نسمعها).
أما أنا شخصيا ومثلي الكثيرين من أبناء هذا الوطن فنحن نرى أن هذه البيانات – المعارضة- تعبر عن قلب الشارع ونبضه الهامس، وقلناها أكثر من مرة أن الناس قد تجاوزت مرحلة التلميح إلى التصريح بعد أن حيل بينها وبين الملك، وعم البلاء وظهر الفساد وعشعش وأصبح له أوكارا ترعاه وتغدق عليه.
أما أنتم يا أصحاب البرقيات والبيانات المضادة، فنقول لكم إذا كنتم تعارضون أصحاب البيانات لشخوصهم، فهم أبناء وطن وعشائر من صلب عشائركم، وهم لا يدعون تمثيل عشائرهم كما تدعون أنتم، ولهم مطلق الحق والحرية في ابداء أراءهم بموجب القانون والدستور، أما إذا كنتم تعارضون مضمون ومحتوي البيانات، هنا تكونوا قد حشرتم أنفسكم في خانة أعوان الفساد والحاضين عليه، هذا إن لم يكن بعضكم من الفاعلين له.
وعليه نقول، كفى مزايدة علينا وعلى هذا الوطن والنظام، فوالله ما أنتم بأكثر انتماء منا ومنهم، بل أنتم الأقل ولاءً والأخطر على النظام من أي كان، أنتم من تزينون للملك أن كل شيء تمام، والوضع عكس ذلك بالتمام، والسبب هو أنكم أنتم من كان سببا في كل ما وصلنا إليه من ترد للحال وسوء في المنقلب، وتريدون إخفاء الحقيقة عن الملك حتى لا تظهروا بمظهر المقصر بعد أن ولاكم شئون البلاد والعباد.
وللحقيقة فان تلك البيانات قد أرعبتكم وقضت مضاجعكم وسحبت البساط من تحت أرجلكم، حيث عملت وستعمل على تعريتكم أمام الملك والمتوقع منه أن يقوم بمحاسبتكم أولا ثم إقصاؤكم ثانيا، بعد أن استعبدتم شعبه الذي ائتمنكم عليه وأوصلتموه إلى ما هو عليه من فقر وقهر واذلال، ولهذا انتفضتم بعدما قضت تلك البيانات مضاجعكم، وعدتم للكرّة الأولى في إرسال برقيات التأييد والولاء وهذا يدلل على أن ولاءكم ناقص وانتمائكم مبتور ومحكوم بالمصالح، ولا يكتمل إلا بالتأكيد عليه، فهو بمثابة عقد عمل مقابل أجر قابل للتجديد وترجون منه المزيد.
يا سادتي، ليس بالبرقيات وحدها يكون الولاء، الولاء والإنتماء شعور داخلي يترجم إلى أفعال على أرض الواقع، الولاء يكون بالنصيحة لأولي الأمر عندما يصير الأمر إلى غير المشتهى والمراد، الولاء يكون بالإقالة من العثرات ومنع من الوقوع في الزلات، الولاء يكون بالدفع للوطن والدفاع عنه لا بحلبه والهرب عند أول وقيعة، ثم ألم تعلموا أن المعصومين عن الخطأ هم الأنبياء فقط، وهذا زمن ولى وانتهى، فلم يرسل الله أنبياء بعد الحبيب المصطفى، وبالتالي ليس منا، سواء حاكم أو محكوم بمعصوم عن الخطأ، إلا إذا كنتم تعتبرون أنفسكم أنبياء ورسل هذا الزمان، ألم تسمعوا قول الفاروق عندما قال أصابت إمراة وأخطأ عمر؟
سؤال أتمنى أن أجد جوابه لديكم، منذ أن خلقني الله حتى صرت إلى ما أنا عليه الآن وأنا أسمع بكم، أسمائكم، مواقعكم، مشيختكم، عقد من الزمان والملك يستمع لكم، لم يولي وجهه شطر محافظة أو مدينة أو قرية إلا وكنتم أمامه، مستقبلين لتعليماته وإلهامه، أما المثقف والمتعلم فليس هذا زمانه ومكانه. ومن قبله والده الراحل الكبير، دهر من الزمان وهو لا يرى إلا وجوهكم وسحنكم، ما الذي تغير منذ أولاكم زمام الأمور والسلطة والمسئولية، ما الذي أخرج هذه البيانات لتشرح الواقع الأليم، أليست صناعئكم وسياساتكم التي أرهقت الأردن والقيادة؟ لم يتغير شيء، والأمور كل ما فيها من سيء إلى أسوأ وما نخشاه ذلك القادم في علم الغيب، والغريب أنكم ما زلتم متمسكين بمناصبكم ومشيختكم.
أثارني ذلك الذي نزع صفة المشيخة عن أبناء عشائرهم، بحجة أن المشيخة تمنح بأمر سام من الديوان؟! سبحان الله!! منذ متى كانت الشيخة تمنح؟ ألم تنظروا ألى من قبلكم كيف سادوا قومهم؟ ثم ماذا تسمون الشيخة التي تمنح بتنسيب من المحافظ بعد وليمة مجلجلة؟
لقد اطلعت على معظم الأسماء التي أرسلت برقيات التأييد والولاء، وازداد يقيني بأن الخطر على العرش لن يكون إلا منهم، وما أخشاه أن ينطبق فيهم قول الحق ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا)، أما أولئك الذين وسمتموهم بالمعارضين، فأقسم بجلال الله أنهم أشد منكم حرصا على الملك، وأكثر انتماءً منكم للعرش والأردن، لأنهم لا يزينون الباطل ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.
أما تسائلتم لماذا تساقطت عروش تونس ومصر؟ السبب بسيط جدا، لأن البطانة السيئة سيطرت على المال والإعلام كما هو حال الصهيونية العالمية، وكانت ترسل الطوابير تلو الطوابير لتصطف في الشوارع هاتفة بحياة الزعماء، وتزين للرؤساء كل شيء وتصور لهم الأوضاع بأنها عال العال، وأن الشعب ما عاد يطيق النعيم الذي يعيش فيه، وبات يبحث عن أسباب للنكد والتنغيص، فكانت الزعماء تكافىء تلك البطانة على صنيعهم هذا،،،
أما بعد أن وقعت الفأس بالرأس، فكان أول المتخلفين عن ركب تلك الزعامات، هي تلك البطانة التي سولت لهم أنفسهم قول الزور، ليصحو الزعماء على وقع طامة كبرى أحاقت بهم وشعوبهم، حيث اكتشفوا لاحقا أن كل شيء يسير عكس المأمول والمراد، ولكن بعد فوات الاوان، وهذا ما تنبه له الملك عندما بدأ بالزيارات المفاجأة ليطلع على أحوال الناس وأوضاعهم التي اكتشف أنها لا تسر عدو، فما بالك بملكهم الذي كان يعتقد أن الأمور كما صورتها البطانة بأنها عال العال.
يا سادتي يا كرام، ألم يقولوا بأن التجربة خير برهان، حسنا دعونا نستبدل المواقع لمرة واحدة فقط، ولا أطلب أكثر من ستة أشهر نأخذ بها مواقعكم ولنرى ماذا سيحدث بعد ذلك؟ إن تحسن الحال كل ما نرجوه أن تعترفوا باخطائكم وتتنحوا جانبا إلى أبد الآبدين، وإن سارت الأمور على غير ذلك، سنعترف لكم بأنكم الحق والصواب ونحن الخطأ والخطيئة وسنختفي من أنظاركم أبد الدهر.. وللحديث بقية؟
kalilabosaleem@yahoo.com