دشنت عملية "طوفان الأقصى" مرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، بعدما أعادت الأمل للشعب العربي بأن القضية الفلسطينية حية لم تمت وأعطت للعالم ولدولة الاحتلال درسا بان الصراع لن يحسم بدون موافقة الشعب الفلسطيني على حل سياسي يلبي مطالبه، بجلاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
الفرحة عارمة لدى العرب لان العملية جاءت بعد سنوات من القتل والتدمير والتنكيل والحصار والغطرسة الإسرائيلية ومحاولات التطبيع المجاني العربي، والصدمة هائلة لدى دولة الاحتلال وحلفائها لان العملية أثبتت أن إسرائيل وجيشها واستخباراتها نمر من ورق.
ستدفع حماس وقطاع غزة وكل المناطق الفلسطينية بما فيها مناطق 1948 ثمنا باهظا من الضحايا والتدمير والعنف، لكن حماس قامت بالعملية لأنها وصلت الى قناعة بان القضية الفلسطينية والقدس بالتحديد باتت في مرحلة خطيرة من التصفية النهائية وإلغاء الوجود الفلسطيني بمباركة دولية وتواطؤ عربي، وان عمليتها العسكرية كانت فرصتها الأخيرة في ضرب المشروع الإسرائيلي او تأخيره على الأقل.
والآن كيف نستفيد من هذه العملية البطولية في ظل الانحياز الأمريكي والأوروبي الكامل لرواية الاحتلال؟ هل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تستفيد من المعركة؟ هل حماس ومعسكر المقاومة قادر على الصمود والاستمرار؟ هل الدول العربية لها دور في المرحلة المقبلة؟
بالتأكيد ستطلق إسرائيل والولايات المتحدة أبواق دعايتها ضد إيران، باتهامها بتقديم المساعدة العسكرية والفنية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وربما ستجد إسرائيل ضالتها في استمرار التحريض على إيران وقد تضرب المصالح الإيرانية في سوريا، لكنها غير معنية اليوم بفتح جبهة مع حزب الله في لبنان لأنها تعرف أن إمكانيات حزب الله العسكرية أضخم بكثير من إمكانيات حماس التي أذلتها.
لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تحمل هذا الملف الكبير لأنها خسرت ثقة شعبها منذ أن اسقط الرئيس عباس خيار المقاومة ، إلا أن الأمر ممكن من خلال إدخال حماس والجهاد الإسلامي ضمن منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاتفاق على برنامج تحرر وطني يلبي المصالح الفلسطينية، وهذا أمر معقد وغير متاح ويحتاج الى سنوات من إعادة تأهيل حماس والجهاد الإسلامي للسير في طريق المفاوضات السلمية وهي طريق شائكة وغير أمنة.
هل تستطيع مصر او الأردن لعب دور الوساطة في انجاز تسوية حقيقة بعد أن تحركت المياه الراكدة وضربت الرؤوس الساخنة وأصبح واضحا أن لا حل إلا بحل الدولتين الذي لم يعد يتمسك به إلا الأردن والملك عبد الله الثاني بالتحديد وقد أثبتت الأحداث صحة الموقف الأردني الذي يحدد المشكلة بوجود الاحتلال وضرورة زواله لإقامة الدولة الفلسطينية؟ الأمر صعب لان حكومة المستوطنين الفاشية في تل أبيب ليس لديها برنامج سياسي للتسوية السلمية بل أن برنامجها إقصائي يهدف الى إنهاء القضية وإلغاء الشعب الفلسطيني.
وكذلك معسكر المقاومة وحماس بالتحديد لا يستطيع استثمار اللحظة الراهنة والاستفادة منها في عمل سياسي دولي يفضي الى قيام دولة فلسطينية، لأن الحصار الدولي والإسرائيلي على حماس سيشتد أكثر لإنهائها.
السيناريوهات في قادم الأيام خطيرة جدا على المنطقة وعلى مصر والأردن خصوصا بعد جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد أهالي غزة وقد يمهد هذا الى"هولوكوست" فلسطيني يفضي الى دمار غزة بالكامل لتهجير سكانها الى سيناء وضم أرضهم الى كيان الاحتلال.
الحل الحقيقي والمؤثر هو في ترميم الموقف العربي الرسمي ووقف كل عمليات التطبيع المجانية مع دولة الاحتلال وإعادة إطلاق المبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية في بيروت 2002، طبعا بعد انجاز اتفاق فلسطيني داخلي عقلاني على الخطوط التفصيلية للحل السلمي وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وعلى الدول العربية جميعا أن تقوم بجهد كبير لإقناع الولايات المتحدة أولا وللعالم ثانيا بان وجود الاحتلال الإسرائيلي هو البلاء في منطقة الشرق الأوسط، وان إحلال السلام هو الذي يمكن أن يريح الشعب اليهودي ويحمي إسرائيل من نفسها وان لا حل إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
"عاصفة" حماس ملحمة عسكرية حقيقية، من كان يتخيل مقتل 1300 إسرائيلي في ستة أيام؟ إن ما جرى فرصة تاريخية، ربما لن تتكرر، لذا يجب استثمارها عربيا وفلسطينيا قبل أن يستفيد منها العدو الإسرائيلي، كما استفاد من حرب تشرين 1973.