صبراً غزة، صبراً فلسطين ..
د. نضال القطامين
12-10-2023 12:16 PM
ولكأنها كانت بانتظار أحداث غزة، حتى ألقت طغم القمع وأنظمة الديمقراطيات الزائفة ثيابها المستعارة وأبانت وجهها العنصري القبيح.
يقف العالم اليوم على قدم واحدة، ركل فيها كل ما سوّقه لنا من بضاعة آسنة وسِلَعٍ فاسقة، وهو يقدّم تفويضا واضحا جليّا لآلات الإفناء والإبادة، لسحق الناس وتشريدهم، ويمنح الصلف والغرور والغطرسة شرعيات وضيعة ثم يقف يُشيّع الطائرات المحملة بآلات الموت، وهي ترسل لنساء غزة ولأطفالها وشيوخها مع قبلات مسمومة مغلّفة ببسمات الأفاكين والخرّاصين وبمبادىء ورثة دراكولا المخلصين.
لم يقارف قادة العالم المتمدن إثما ولا خطيئة أفدح من امتهان التدليس. لقد عاثوا في بلاد العروبة والإسلام فساداً مغلّفا وإجراماً مجمّلا، لقد أشبعونا زيفا وقتلوا باسم الدفاع عن حقوق الإنسان كل فكرة وكل حلم.
اليوم يُرغمون قسراً وقهرا على التجرّد من ثياب الخدعة والغش والتلفيق، ويكشفوا عن أديمهم القبيح السفيه، اليوم، تنحسر ثيابهم البالية عن سيمائهم ومزاياهم الوضيعة، ويمنحوا بكل تاريخهم الدميم، رخصة للقتل وللتهجير.
ولكأنهم كانوا بانتظار هذا الصراخ الكاذب، كي يقولوا كلماتهم السافلة الزنيمة، المستندة على روافع الإنتخابات والصوت المرجّح، لكنهم اليوم عراة أمام شعوبهم، تتساقط قيمهم المزعومة ورقة فورقة، وحتى تلك التي تخفي عوراتهم، ستسقط لا محالة، بالتزامن مع سقوط شعاراتهم وخطاباتهم وكذبهم وخطاياهم.
لم يكن الشعب الفلسطيني يوما ظالما، يقول تاريخه المزروع بالدم وبالشهادة، أنه لم يقع شعب على وجه الأرض تحت مظلات التعذيب والقتل والتشريد أكثر منه، لقد قبلوا بحل الدولتين وحل الدولة وبكل الحلول التي دلّس بها ساسة العالم مقابل عيش كريم، وماء نظيف وبيت ومدرسة، لكنهم لم يجدوا مقابل هذه التنازلات الكثيرة سوى القتل والتهجير.
لم تكن عملية السبت سوى انتفاضة المكسور على سجّانه، ويجب أن لا يتكهّن ساسة الدجل والتزييف سوى بأن ما كان لم يكن إلّا صرخة ألم جائع ومحاصر ومستكين، فكان ما كان، لكننا أمام تاريخ كثيف من ترسيخ نظام الأبارتيد والفصل العنصري، لا نجد مبررا ولا مسوّغا، لتأييد عمليات القتل والطرد والإبعاد، من العالم الذي أشبعنا كذبا حيال حقوق الإنسان في ماء وطعام.
لا أحد يبرر قتل المدنيين من أي جنس وأي دين، وكذا، فلا يجب أن يبرر أحد عمليات القتل والتشريد والتهجير والقسر والقهر، وعلى شعوب العالم المتحضر ألّا تستكين للشرذمة التي تبيع قيمها وتاريخها وتقاليدها وإنسانيتها في سوق الإنتخابات الوضيع، على العالم أن يقف اليوم أمام مسؤولياته في وقف آلات الموت، والبحث عن حلول لهذه المحرقة، حلول تكفل عيش مشترك قويم.
صبراً غزة، صبراً على الحزن وعلى الخيبات، صبراً على الدم وعلى الهدم وعلى النائبات، صبراً على الخذلان وعلى الموجعات..