حكومة اللامستحيل..
لطالما تغنت بعض الحكومات في احداث اللامستحيل في ظل الإمكانات المالية الطائلة والبنية التحتية المتينة، والدفع لركوب الموجة وفق الموضة لإدارة الابتكار لتكون الأول في كل شيء لا لشيء إلا لتسجيل السبق بأن هناك شيء، وفي ظل هذه المغالطات تأتي دعوات للوقوف عند حقيقة "إرادة المستحيل" كمفهوم ومنهجية وأدوات استخدام بالإضافة إلى المنافع والمكتسبات.
وهذا ما قدمته حكومة اللامستحيل كنموذج حي في غزة هاشم من أرض فلسطين في السابع من أكتوبر لعام 2023 وما سطرته بطولة طوفان الأقصى في سلسلة ابتكارات وإبداعات أصاب العالم بأسره بالذهول على روعة الأداء ودقة الإنجاز والتميز في تحقيق الأهداف لتكتب فصلا جديدا في سجل التاريخ حول مفهوم إرادة المستحيل عندما يستحوذ المستحيل على كل مكونات المجتمع ومن ثم تأتي الإرادة كعصا موسى تلقي بها أيدي المقاومة فإذا هي تلقف ما يأفك المغتصبون.
إرادة المستحيل لا تنظر الإدارات فيها إلى قلة الإمكانات وإنما تسعى لتنمية الإرادات، وحشد الدعم والتأييد لمشروع تجتمع عليه الأمة ليكون هذا المشروع وقودا لتحريك ما في النفوس، فالسر يكمن في وفرة الإرادات لا الإمكانات، وغرس القيم والعقيدة لتكون الأيديولوجية أكبر محرك لدفع عجلة التغيير والدفع بالنفس من أجل الوطن، وجود رؤية واضحة وثوابت متفق عليها لا مساس فيها أو عبث بها ويسمح فيها بعدها للتنوع في الأساليب والأدوات ويفسح فيها للاختلاف فمساحة العمل تسع جميع الأطياف والمكونات، والابتكارات تخرج من رحم الاحتياجات وترتيب الأولويات نحو القضية المركزية والأولويات الوطنية، واستشراف للمستقبل وبث الأمل أن وعد الله قريب، والتمتع بمهارة التركيز وتجنب التشتيت في قضايا ثانوية قد تستهلك الموارد بلا طائل منه.
حكومة اللامستحيل قوامها قادة أمناء وجند أوفياء ونظام للانضباط، تجرد من المكاسب الشخصية والمنافع الآنية، وأنموذج عملي تختزل فيه مواقف القيادات ما تعجز عن وصفة بطون المؤلفات، ومرؤوس شجاع وفني ذي احتراف يزاحم الزمن لتوظيف التقنيات لتقديم الحلول عصرية في ظل إمكانات مادية محدودة يصنع آلة عمله تفعل ما عجزت ملايين الدنانير أن تفعله آلة عدوه، هم قوم نومهم سِنة وطعامهم كفافا ومزاحهم جد.
الاستباقية ومباغتة العدو وتوظيف لعنصر المفاجأة، وتعدد الخيارات وتنوع الأدوات ، المرونة والرشاقة المؤسسية في التعامل مع المعطيات والتكيف والاستجابة وفق تغير الظروف، وقوة التفاوض والقدرة على المساومات وبناء الشراكات والتحالفات.
إرادة المستحيل لا سقف للطموح ولا مساومة فيها على المبدأ أو الثوابت ولا سيما أن المشروع لا يقف عند المخرجات والحصيلة وإنما تتعداه إلى النتائج الأثر للوصول للفعل المستدام لإعادة رسم ملامح شخصية الرجل العربي الذي لا يقبل الذل والخنوع أو القهر والإذلال، ورغم عظم المسؤولية فإن الغاية لا تبرر لها الوسيلة فالأيدي نظيفة والأخلاق سياج دون الوقوع في الفتك الأعراض أو التعرض للأطفال والضعفاء. لأن عمله رسالة وفعله وقوله رسالة إنها ليس وظيفة يقتات منها أو يتسلق بها المواقع بل إنها استحقاقات تقديم النفس قربان لرضا الرحمن فإما نصر أو شهادة.
هكذا تبنى حكومة اللامستحيل ويتم تكليف الكفاءات لحمل الحقائب والمسؤوليات، وهكذا تصنع الإنجازات وتسطر بحبر الدم والألم لا في الشعبوية وفرقعات الإنجازات الوهمية ، نصر يصنعه الألم ، ومجد يسطره العمل، لا مجال فيها لاستيراد الهمم ولا خير في أمة تستغيث بالعدو لتحمي وطنا ولا لحكومة صعدت إلى الفضاء ونسيت أن ترقى في منظومة القيم.