هي بالضبط كذلك قبل اي تحليل للحدث وخلفياته وتداعياته. تسديدة مباشرة في وجهة العدو الغاصب أدمته وأذلته وأحرجته كما لم يحصل من قبل وكما ظهر مباشرة في ردود الفعل الحانقة الغاضبة الحاقدة وخصوصا الوعيد بتدفيع غزة الثمن لخمسين عاما قادمة !!
لم نذهب بأقصى خيالاتنا جموحا لتصور هجوم عسكري فلسطيني مباغت يقتل أكثر من ٩٠٠ جندي ومستوطن واصابة أكثر من ثلاثة ٱلاف وأسر أكثر من مائة. والإحصاءات ليست نهائية. هجوم يحتل حاجز ايرتس الذي كان ينتصب على مدخل القطاع عنوانا لسيطرة الاحتلال وسطوته واذلال الفلسطينيين وتعذيبهم والتجبر بهم هذا الحاجز احتله الفلسطينيون وقتلوا واسروا جنوده وصادروا موجوداته ومنها أجهزة كومبيوتر ومواد تمثل كنزا أمنيا ومعلومات لا تقدر بثمن. اجتاح مقاتلو حماس والجهاد أكثر من ثمانية معسكرات وأكثر من عشرين مستوطنة كانت عنوانا لغطرسة القوة التي تصادر ارضك وتبني عليها مستعمرات مرفهة امام عينيك وأحدها كان للصدفة يستضيف مهرجانا موسيقيا دوليا في نفس يوم الهجوم ولم يفكر المحتفلون أن أبواب جهنم ستنفتح من الابواب الموصدة على بؤس وعذابات الفلسطينيين وراء الستار الحديدي الذي يسجن غزة.
أي كانت الحسابات وراء هذه العمل العسكري محلية صرفة أو بأبعاد اقليمية ومهما كانت النتائج والتداعيات المحتملة فهو عمل مدهش وخارق فش غل كل فلسطيني وعربي.
ولا نقول هذا لقلة اعتبار لحياة الفلسطينيين والثمن المخيف الذي ستعمل الفاشية والعنصرية الاسرائيلية على تدفيعه للأهل في القطاع لكن أي حياة هذه وأي مستقبل يوجد مع إدامة هذا الواقع ؟ لا أفق للحل ابدا. وكل مرة تأتي قيادة اسرائيلية أكثر تطرفا وعنصرية وطمعا وعدوانية وتنكيلا بالفلسطينيين .. والمصيبة أكثر نجاحا في فرض التطبيع مع العرب بدعم من امريكا التي استنفرت كأن اسرائيل إحدى ولاياتها تتعرض لاجتياح عسكري.
لم نكن فيما مضى نحب ذلك النمط من العمليات الانتحارية حيث يتسلل استشهادي ليفجر نفسه في مكان ما قلما يلحق خسائر بالعدو لكنه يلحق أذى معنويا بالغا بصورة الفلسطيني كأرهابي يائس وعاجز. ولم نكن نحب فيما مضى صواريخ القسام البدائية التي تسقط في ارض حمراء وقلما آذت شيئا لكنها تعطي الذريعة للرد على "القصف الإعلامي" بالقصف الفعلي للأحياء المأهولة في غزة. أما الآن فالأمر مختلف جذريا. أنه عمل عسكري حقيقي بطولي ذكي وخارق وحقق نتائج تفوق الخيال. لقد كسر خشم الاحتلال حرفيا.
لم يتم من قبل احتلال مستوطنات ودخول معسكرات وقتل عدد من جنود العدو والمستوطنين كما حصل في هذه العملية. لم يحدث ذلك في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني الغاصب.
البعض شبهها بحرب اكتوبر ١٩٧٣ لكن المقارنة غير واردة الا في جانب واحد هو الفشل الاستخباري الاسرائيلي والفشل هذه المرة كان مخزيا أكثر. والعدو وصلت به الغطرسة والاسترخاء أنه أهمل كليا احتمال هجوم من هذا النوع وفوجئ تماما به فكانت ردة فعله مواراة الخزي والإذلال الذي لحقه بتصريحات متعجرفة عن انتقام لا سابق له.
سيقود الحقد والمكابرة نتنياهو ووزراءه الفاشيون إلى استخدام ترسانتهم العسكرية بأقصى مدى بدل أخذ الدرس الحقيقي بأن لا حل الا بزوال الاحتلال. لكن ما الذي سيحققوه ويختلف عما حدث في جولات سابقة !؟ لا يوجد سوى الاجتياح البري وهو وارد جدا لكنه لن ينجح الا بأسلوب المدحلة اي القصف برا وجوا وبحرا والتهجير الكامل لكل منطقة يقتربون منها وهذه حرب اشهر وليس ايام ولها تداعيات عربية وإقليمية ودولية خصوصا بشأن التهجير الذي تلمح له أوساط الاحتلال وتمهد له بالدعوة لتجاهل ما قد يحصل لأسراهم عند المقاومة. ثم إننا لا نخال التطبيع العربي الا في موقف مستحيل أمام الرأي العام الشعبي. حتى داخل كيان الاحتلال فالطريق ليست معبدة والانقسام الداخلي عميق وقبل أيام كان مئات الألوف ينزلون في مظاهرات ضد نتنياهو ومشروعه الانقلابي على القضاء وهؤلاء لن يروا في حربه ضد الفلسطينيين اي جدوى . لن يروها حماية لإسرأئيل بل حماية لحكومة اليمين المتطرف وصرفا للأنظار عن فشلها الذريع.
نعم الفاشية الاسرائيلية ستعمل على تدفيع الفلسطينيين ثمنا باهضا ولا ندري ماهية الخطة الاسرائيلية التي يقولون انها ستغير وجه المنطقة !! لكن نحن نقول إلى حيث ألقت .. إن كسر خشم الاحتلال اذ يتحقق لأول مرة في تاريخ هذا الصراع فلا حساب لثمنه مهما كان.
* رئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي الاردني