صفحات من تاريخ الأردن(17)
26-07-2007 03:00 AM
بعد معركة أجنادين التي خاضتها جيوش فتح الشام في فلسطين ، توفي الخليفة أبو بكر (رض) وخلفه عمر بن الخطاب (رض) . فقد تمكن جيش الفتح من السيطرة على معظم بلاد الشام حيث فتحت "بصرى" و"بعلبك" و"حمص" و"دمشق" و"البلقاء" و"الأردن" وأجزاء من "فلسطين". وقد انقسم جيش المسلمين بعد أجنادين إلى قسمين بعد المعركة ؛ قسم ظل في فلسطين ليتم فتحها ، وقسم آخر زحف شمالا بقيادة خالد بن الوليد ، فالتقى بفلول الروم في بيسان ، وألجأهم إلى التقهقر إلى (بيلا) طبقة فحل في شرقي الأردن ، بعد أن بثقوا الأنهار وجعلوا المياه تطغى على الأرض ، إلا أن خالدا بن الوليد تمكن من اللحاق بهم إلى فحل ، وانتصر عليهم في فحل انتصارا مبينا ، وأجلاهم عنها في سنة 13 هـ 634 م .ثم سار خالد بن الوليد وأبو عبيدة إلى حمص ، لكنهما اضطرا للعودة إلى شرقي الأردن ، بعد فتح حمص سنة (13 هـ = 634م) حيث كان الجيش الاسلامي يتوزع في أماكن مختلفة، فأبو عبيدة بن الجراح في حمص، وخالد بن الوليد بقواته في دمشق، وشرحبيل بن حسنة مقيم في الأردن، وعمرو بن العاص في فلسطين. عندما بلغهم أن الروم يعيدون تجميع جيوشهم في اليرموك ، وكان الروم في 240الف ، منهم ثمانون ألفاً مقيدين بالسلاسل كي لا يفروا من المعركة بقيادة ثيودوروس وماهان الأرمني .
وتوافدت الجيوش الإسلامية إلى اليرموك لمواجهة الروم في آخر معركة حاسمة في بلاد الشام ، وكان لابد من توحيد قيادة جيوش الفتح الأربعة في جيش واحد لمواجه جيش الروم الكثير العدد ، فانتخب المقاتلون خالدا بن الوليد ليتولى قيادة الجيش الإسلامي ، فعبأ خالد الجيش الذي بلغ تعداده 46 ألف مقاتل ، على نظام الكراديس وهي تعبئة لم يتبعها العرب من قبل ، فقسم الجيش إلى 36 كردوسا أي فرقة ، او كتيبة، وتضم ما بين 600 إلى 1000 رجل، والكردوس ينقسم إلى أجزاء عشرية؛ فهناك العرّيف الذي يقود عشرة من الرجال، وآمر الأعشار الذي يقود عرفاء (100 رجل)، وقائد الكردوس الذي يقود عشرة من أمراء الأعشار (1000) رجل.
وجعل خالد على القلب أبا عبيدة ، وعلى الميمنة عمرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة ، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وعلى الخيالة خالد بن الوليد وهو القائد الأعلى.
ومن أمراء الكراديس في معركة اليرموك الحاسمة : القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وعياض بن غنم وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وحبيب بن مسلمة وصفوان بن أمية وسعيد بن خالد بن العاص وخالد بن سعيد بن العاص وعبد الله بن قيس ومعاوية بن حديج والزبير بن العوام وضرار بن الأزور. وكان قاضي الجيش أبو الدرداء. والقاص أبو سفيان بن حرب وعلى الغنائم عبد الله بن مسعود وعلى الطلائع قباث بن أشيم، وكان المقرىء المقداد بن عمرو، وقد كان عدد الصحابة يوم اليرموك أكثر من ألف صحابي بينهم أكثر من مائة من أهل بدر. وكان أبو سفيان يسير خلف الكراديس فيقول: الله الله إنكم ذادة العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك اللهم إن هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك.
أما جيش الروم فكان يضم نحو مائتي ألف مقاتل، يقودهم "ماهان"، وقد قسّم جيشه إلى مقدمة تضم جموع العرب المتنصّرة من لخم وجذام وغسان، وعلى رأسها "جبلة بن الأيهم"، وميمنة على رأسها "قورين"، وميسرة على رأسها "ابن قناطر"، وفي القلب "الديرجان"، وخرج ماهان إلى المسلمين في يوم ذي ضباب، وصَفَّ جنوده عشرين صفا، ويقول الرواة في وصف هذا الجيش الرهيب: "ثم زحف إلى المسلمين مثل الليل والسيل".
وبقي الجيشان الإسلامي والرومي في اليرموك بشرقي الأردن قبالة بعضهما شهرا كاملا لم يتناوشا ، وفي 20 آب 634 م أمر خالد بن الوليد الجيش الإسلامي ببدء الهجوم ، فتقاتل الجيشان ، وتمكن الجيش الإسلامي من دحر الروم ، فوقع معظمهم في منحدر الواقوصة ، وقتل القائد ثيودوروس ، وفر القائد الثاني ماهان من ارض المعركة متخفيا إلى دير طور سيناء .
وبعد النصر في اليرموك استخلف المسلمون بشيرا بن سعد الحميري على اليرموك ، ولحقوا بفلول الروم إلى مرج الصفر . وقد انتهت المعركة باستشهاد ثلاثة الآف من المسلمين ، وقتل من الروم مائة وعشرون ألفاً ، وارتحل هرقل من حمص مودعاً سورية وداعه الأخير ، وقال : سلام عليك ياسورية ، سلاماً لا لقاء بعده ، ورحل إلى القسطنطينية.
وبعد المعركة أعلن خالد مضمون الكتاب ، واعتزل الإمارة ، وولاها مكانه أبا عبيدة رضي الله عن الجميع .
وقد فتحت دمشق بعد اليرموك ، وبعد فتح دمشق استكمل تحرر شرقي الأردن من الروم ، حيث قام يزيد بن أبي سفيان بفتح عمان وغرندل وجميع ارض الشراة . وبذلك تكون بلاد الشام قد فتحت جميعها وسلمت لأبي عبيدة ليدير شؤونها ، فقسمها إلى خمسة أجناد هي : جند الأردن ، وجند فلسطين ، وجند حمص ، وجند دمشق ، وجند قنسرين . وكانت عاصمة جند الأردن مدينة طبرية ومن مدنه صور وعكا وبيسان واربد واذرعات أي درعا .
وفي سنة 16 هـ 638م بدأ الروم يحشدون جيوشهم لغزو بلاد الشام للانتقام من المسلمين ، وتعاطف معهم بعض العرب من سكان البلاد ، مما جعل الخليفة عمر بن الخطاب (رض) يأتي بنفسه إلى الشام ، فخرج من الحجاز إلى شرقي الأردن ومنها إلى سورية فوجد عامله أبا عبيدة قد أحبط مساعي الروم فقفل راجعا إلى المدينة .
وفي سنة 17هـ 636 م اجتاح الحجاز وجزيرة العرب قحط شديد ، فما كان من الخليفة عمر بن الخطاب إلا أن أمر أبا عبيدة وعمرا بن العاص أن يرسلا الحبوب من شرقي الأردن وسورية وفلسطين إلى جزيرة العرب ففعلا ، ثم توجه عمر لزيارة الشام ولما وصل إلى سرغ أي المدورة في أول حدود شرقي الأردن لقيه أمراء الأجناد واخبروه أن البلاد موبؤة بالطاعون ، فتردد قليلا إلى أن نصحه عبد الرحمن بن عوف بالعودة إلى الحجاز بناء على حديث نبوي ذكره به .
وبعد عودة عمر (رض) إلى الحجاز ؛ اشتد الطاعون في بلاد الشام فهلك خلق كثير منهم : أبو عبيدة عامر بن الجراح ، وضرار بن الأزور الكندي اللذين دفنا في غور الأردن ، ومعاذ بن جبل الذي دفن في القصير قرب الشونة الشمالية في شرقي الأردن ، وتوفي بالطاعون أيضا يزيد بن أبي سفيان في دمشق ، وشرحبيل بن حسنة الذي دفن في الغور بشرقي الأردن ، وقد تولى البلاد بعدهم معاوية بن أبي سفيان .
وبعد أن خفت وطأة الطاعون ؛ توجه الخليفة عمر بن الخطاب إلى الشام مرة أخرى لينظم أدارتها ويولي الولاة ويشحنها بالجند لئلا يعود الروم إليها مرة أخرى ، فوصل الشام عن طريق مدينة أيلة أي العقبة، فنزل عند مطران العقبة بشرقي الأردن ، ثم تابع سيره شمالا فولى الولاة وورث الأحياء من الأموات وآسى الثكالى وأعان الفقراء والمحتاجين وعاد إلى المدينة.
إلى أن نلتقي في الحلقة القادمة .
للاطلاع على الحلقات السابقة من صفحة من تاريخ الاردن ، على الرابط:
http://ammonnews.net/arabicDemo/author.php?authorID=159