الهيئة الملكية الأردنية للأفلام .. رؤية ملكية سامية ونموذج إنجاز وطني
د. صفاء هلال حداد
09-10-2023 04:40 PM
منذ أيام تفضّل جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم يرافقه صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبد الله الثاني ولي العهد، وصاحبا السمو الملكي الأمير علي بن الحسين والأميرة ريم علي بحضور احتفال الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيسها، وتكلّل الحفل بافتتاح جلالته مجمع الاستوديوهات المتخصّص الأول في المملكة لصناعة الأفلام- استوديوهات الأردن "أوليفوود" (Olivewood)، والتي تعدّ أول استوديوهات أفلام في المملكة بمعايير عالمية.
تأسست الهيئة عام 2003 بتوجيهات ملكية سامية، ويرأسها سمو الأمير علي بن الحسين، وقد جاءت نواة لتأصيل العمل الفني الإبداعي، من خلال مبادئها القائمة على رعاية المواهب وتشجيعها إيمانا بأهمية التبادل الثقافي وتعزيز حرية التعبير، وإتاحة الفرصة أمام صانعي الأفلام في الشرق الأوسط للاندماج مع الخبرات العالمية في مجال إنتاج الأفلام، والإسهام في خلق برامج تعليمية للأردنيين المهتمين بمجال صناعة الأفلام.
تضع الهيئة في صلب اهتماماتها التثقيف ورعاية الفكر الناقد وتنميته، من خلال الترويج لثقافة الأفلام وتعزيز مكانتها على الساحة الثقافية الأردنية، وتقدم الدعم وخدمات إدارية للإنتاج على المستويين المحلي والأجنبي، وتسعى باجتهاد لتوفير فرص عمل بمعايير عالمية في جميع مجالات الفن السينمائي، كما وفرت الهيئة فرص تشغيل لنحو 134 ألف شخص في الأردن، وأشركت أكثر من 5695 متدربا ومتدربة في برامج تعليمية في مختلف مناطق المملكة، وقد جاء "صندوق الأردن لدعم الأفلام" لدعم أنشطة وبرامج تطوير إمكانيات صناعة الأفلام المحلية المستقلة، وتحفيز المواهب الأردنية ودعم صنّاع الأفلام في الأردن.
تسعى الهيئة منذ تأسيسها لتوفير مواقع رائعة وموارد إبداعية، وتقديم أفضل المساعدات التقنية والحوافز المالية لتعزيز مكانة الأردن كمركز للإنتاج المرئي-المسموع العالمي، وجَعل الأردن مركزا لصناعة الأفلام على المستوى الإقليمي، ولتسهم في تأكيد الحضور القوي للأردن وأبنائه المبدعين من فنانين وتقنيّين على خارطة العمل العالمي في مجال صناعة الأفلام.
وقد حققت الهيئة جملة من الإنجازات الفنية الدرامية والسينمائية المشرّفة خلال العقدين الماضيين، كان من أبرزها إنتاج 31 فيلما أردنيا، و6 أفلام مع شركاء من دول أخرى، كما أسهمت بصورة فاعلة بتسهيل إنتاج 112 فيلما أجنبيا و29 مسلسلا عالميا تم تصويرها في الأردن، شارك في صناعتها صناع أفلام أردنيون إلى جانب نخبة من أشهر الفنانين وأمهر التقنيين على المستوى العالمي.
وبالنظر إلى الإنجازات المتميّزة التي حققتها الهيئة، كان لابد من تعزيز إمكاناتها وتطوير أدواتها وتوسعة مجال عملها لمواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال، وهي حاجة لا يمكن إنكارها في إطار العمل القائم على الفن والإبداع والتجدّد، وعليه جاء إنشاء استديوهات الأردن "أوليفوود"، تحقيقا لضرورات مواكبة التطور العالمي في هذا المجال، ودليلا قاطعا على أحد أبرز مؤشرات الاستجابة لرؤية التحديث الاقتصادي القائمة في جوهرها على الاستثمار في قطاع الصناعات الإبداعية، تلك الرؤية النابعة من رؤية جلالة الملك المعظم الهادفة لبناء المستقبل الأفضل للأردن، وتعزيز اقتصاده، والاستثمار في طاقات شبابه الذين يرى فيهم الأمل والعزيمة والكفاءة، ويعوّل عليهم في العمل والإنجاز ضمن الأطر الإبداعية، ويثق بقدراتهم في التفوّق على الأطر التقليدية للإنتاج وتعزيز الاقتصاد الوطني.
واليوم نوجه أنظارنا نحو الجهات المعنية بالشؤون الثقافية والفكرية والفنية وحتى التربوية والتعليمية، ونشيد بجهودها، ونعوّل عليها أن تلتقي على قاسمها المشترك، وأن تنطلق كعادتها من الرؤية الملكية الثاقبة، وأن ترسم للإنجاز في مجال العمل الفني الإبداعي خارطة طريق متكاملة، وتركز جلّ اهتمامها على الفرد الأردني، ترعى الفن والفنانين، وتبحث عن المبدعين قبل أن يأتوا إليها، وتمنح حصة من أولوياتها لرعاية الموهوبين منذ نعومة أظفارهم، وتصقل مواهبهم بالعلم والمعرفة والتجربة، فتعيد حساباتها بشأن حضور الفنون على اختلافها؛ مسرحا كانت أم رسما أم موسيقى، وتنظر بجديّة لأهمية الأنشطة المنهجية واللامنهجية في هذا المجال، وتعزز تعاونها مع جامعاتنا الأردنية من خلال الكليات المعنيّة، والتي تشكّل الرافد الأول للطاقات المتخصصة في مجال العمل الفني على اختلاف أنواعه، وفي هذا السياق لابد من الوقوف على التاريخ العريق لجامعة اليرموك، التي حظيت بسبق التميّز بين الجامعات الأردنية الشقيقة باحتضانها لتخصصات الفنون الأربعة (التصميم والفنون التطبيقية، الفنون التشكيلية، الموسيقى، والدراما) منذ تأسيسها قسم الفنون الجميلة في كلية الآداب عام 1981، ثم تأسيس كلية الفنون الجميلة خلال العام الدراسي 2001/2002، وها هي اليرموك اليوم تؤكد استجابتها للرؤية الملكية السامية من خلال استحداث تخصصات تواكب العصر وتلبي متطلبات سوق العمل، وقد تمثلت هذه الاستجابة في كلية الفنون الجميلة من خلال طرح برنامجها الجديد (البكالوريوس في الفنون الرقمية)، بالتزامن مع ازدياد الطلب على خريجي الفنون الرقمية محليا وإقليميا بنسبة تترواح ما بين (70-80 %) خلال السنوات الأخيرة.
لابد لنا من تعزيز ثقافة الاستثمار في العمل الفني الذي يمثّل أحد أهم مجالات العمل والانتاج وأبرز الموارد الاقتصادية على المستوى العالمي، وتثقيف المجتمع بالدور الثقافي والاقتصادي الهام الذي يمكن أن يؤديه الإنتاج الفني، وحجم فرص العمل التي يمكن أن يؤمنها إذا تم الاستثمار فيه، فالعمل في مجال الإنتاج السينمائي مثلا؛ ليس مجرد موقع وديكور وأزياء، ولا يقتصر على جهود الكاتب والمخرج والمصور والمنتج والممثل التي نكنّ لها كل تقدير واحترام، إنما هو بوتقة متقّدة من العمل والإنتاج، تتكاتف فيها جهود مجموعة ضخمة من الفنيين والحرفيين والعمال إلى جانب المعنيين في العمل الفني، ناهيك عما يمكن أن يسهم فيه هذا العمل من تحريك لعجلة الاقتصاد على المستويين السياحي والتجاري أيضا.
لطالما كان الأردن بسمعته العالمية المرموقة، وبخبرات أبنائه، وخصوصيته من حيث موقعه المتميز وجغرافيته المتنوعة الغنيّة يعدّ أرضا خصبة، ونقطة مضيئة جاذبة لصنّاع الدراما والعمل السينمائي على المستويين العربي والعالمي، ولطالما حملت إلينا الرؤية الملكية السامية رسائل تحفّزنا على الاستثمار في الإنسان الأردني، بعلمه وفكره وثقافته وموهبته، وما انفكت هذه الرؤية بعيدة المدى، تؤكد على حكمة جلالته وثقته بشعبه الوفي.
* كلية الفنون الجميلة – جامعة اليرموك