هذه أقوى ضربة عسكرية تتعرض لها اسرائيل منذ تأسيس اسرائيل 1948، ضربة غير مسبوقة، قد تتوازى في بعض دلالاتها مع معركة الكرامة 1968، وحرب العبور 1937.
اكثر من 600 قتيل اسرائيلي، وآلاف الجرحى، والحصيلة النهائية سوف تتضح، هذا غير عدد الاسرى الكبير في غزة، وما هو اهم من الارقام هذه الهشاشة غير المسبوقة التي ظهرت بها الدولة التي لا تقهر، والجيش الذي لا يهزمه احد، فلا مخابرات الاحتلال اخترقت المقاومة، ولا جيشها كان مستعدا، ومؤسسات الاحتلال السياسية سقطت تحت وطأة اللحظة، وهي اللحظة التي ستؤدي الى انتقامات اسرائيلية بشعة، فيما نلاحظ ان مقاومة غزة لم تستعمل كل مخزونها من الصواريخ ولا امكاناتها ادراكا منها انها ستحتاجه في بحر الايام القليلة المقبلة.
ثم آلاف الهاربين الاسرائيليين من المستوطنات وكل مكان، فلماذا يبقون ويموتون والارض ليست ارضهم اصلا، وكأن كل واحد فيهم بحاجة الى جندي اسرائيلي لحمايته شخصيا.
عشنا وشربنا كل المرارات في حياتنا من احتلال فلسطين، الى سقوط بغداد وكل الخيبات والهزائم في جوارنا العربي، حتى جاء السابع من اكتوبر، ونستعمل "اكتوبر" للمراكمة على تعبير "اكتوبر" المصري في حرب العبور، والسابع من تشرين الأول كان مختلفا، كان زلزالا بكل المعاني، هز اسرائيل من اعماقها، وخلخل بنيتها، في توقيت كانت فيه اسرائيل تفاخر بتمددها الاقليمي والعالمي، وانها دولة لا يمكن مس استقرارها، واذ بجندها يهزمون.
مايقال اليوم يرتبط بعدة حقائق يمكن استخلاصها، اولها ان اسرائيل برغم كل قوتها العسكرية الا انها مقيدة وضعيفة لحسابات كثيرة في مساحة جغرافية ضيقة كشفتها الضربة التي تلقتها بشكل مفاجئ، ولنا ان نتخيل لو كان كل الشعب الفلسطيني مسلحا، وكم سيحتمل الاحتلال حربا داخلية او من شعوب الجوار، وثانيها ان كل الحروب التي تم شنها ضد المقاومة لم تؤد الى اضعافها بل ابتدعت وسائل بديلة لتسليح نفسها، وثالثها ان المسجد الاقصى محرك اساسي واول في كل رد فعل فلسطيني، ورابعها ان اشارات العداء من جوار فلسطين وامتداد العالم العربي والاسلامي، اشارات مستمرة كل مرة، وان المصالحات هي مع الانظمة وليس مع الشعوب، وخامسها ان كل الحصار المفروض على غزة واجتياحها مرارا واعلان الحرب عليها، لم يؤد الى تغيير المعادلة، وسادسها ان الدبلوماسية العربية للاسف الشديد تتحدث دائما عن " خفض التصعيد" بين طرفين متساويين، وهذا تزييف ومساواة بين المحتل والضحية، وسابعها ان فكرة الموت، عند العرب تختلف عن فكرة الموت عند الاسرائيليين، اذ لها دلالات مرتبطة بالإسلام وفهم التضحية لوجه الله، بطريقة مختلفة تجعل المقاومة مستمرة دون توقف، وثامنها ان اسرائيل مقبلة على زلزال امني وعسكري وسياسي بعد نهاية العمليات، من باب الحساب والتلاوم الداخلي، وتحميل المسؤوليات، وعاشرها اننا على الاغلب امام صفقة تاريخية غير مسبوقة لتبادل الاسرى ستؤدي الى اطلاق سراح آلاف الفلسطينيين.
يضاف الى ما سبق العامل العربي والاقليمي، واحتمال توسع الحرب لتشمل لبنان، مع الصواريخ والمسيرات التي يتم اطلاقها على مزارع شبعا، بما يؤشر على احتمالات لحرب اقليمية اوسع، هذا على الرغم من ان اسرائيل سوف تتجنب فتح جبهة شمال فلسطين.
التحليلات المسمومة والتي تروج لها اسرائيل تتحدث عن حسابات ايرانية لتفجير الحرب داخل فلسطين، استباقا لضربة اسرائيلية ضد ايران، وهذا كلام يستند الى تحليلات ومعلومات لا يمكن التوثق منها اصلا، وان كانت سائدة في اوساط محددة بين المحللين والمراقبين، وهي تحليلات موجهة تريد ان توحي ان ايران هي التي امرت مقاومة غزة ببدء الحرب لدوافع اقليمية، تتجاوز الملف الفلسطيني المباشر، والكلام هنا في احد جوانبه يريد تشويه سمعة المقاومة وتقديمها بصورة الذي يضحي بالفلسطينيين لحسابات ترتبط بعواصم ثانية، ويهدف ايضا الى اضعاف حجم التعاطف والتأييد الشعبي مع المقاومة في غزة، وعزلها وحيدة بذريعة انها ليست حركات تحرر وطنية، وتتلقى الدعم والتمويل والتوجيه من الخارج، وتتلقى الانتقام الاسرائيلي الدموي بدلا عن ايران المهددة بضربة ايضا في هذه الحالة، وربما على المتابعين التنبه للدس الاسرائيلي في هذه القصة بالتحديد، لانه يتعمد تلطيخ سمعة المقاومة.
أسطرة اسرائيل وتقديمها كأسطورة ثبت زيفها كليا، حتى لو جاء انتقام الاحتلال بشعا ودمويا.
الغد