غادرت «نبيلة» من عملها ذاك الصباح ، حيث أكد جميع العاملين معها في القسم أنها في هذا اليوم بدت مرتبكة وليست على مايرام . أخبرني المسؤول المباشر عن قسمها أنه رفض مغادرتها لظروف العمل لكنها أصرّت كونها ستخرج «لأمر طارئ» : فهي ذاهبة للتنازل عن حقها في التركة لأشقائها الذكور!. ولم ينته الحديث إلى هنا فقد أسرّت «نبيلة» لإحدى زميلاتها المقربات أنها حزينة لذلك تماما ً لكن الأمر ليس بيدها فلم يحدث للنساء في عائلتها من قبل أن ورثن، فالعرف في العائلة يقضي أن تتنازل المرأة للرجل. «نبيلة» غير متزوجة وحالها أفضل من «ام أيمن» التي تعيل خمسة أطفال ووضع زوجها المادي ضعيف للغاية لكنها تعرضت لاحتيال عاطفي من شقيقها الأكبر، بالمقابل هددها زوجها ان تنازلت لأشقائها أن يطلقها. «ام أيمن» تنازلت أخيرا ً، تحت الضغوط، عن حصتها في ميراث والدها ليتخلى عنها شقيقها ويهجرها زوجها.
إجبار المرأة على التخلي عن حقها في الميراث ظلم بيّن وعصيان فاضح للتقسيم الشرعي الذي أمر به الله، وانتهاك للحقوق المقدّسة للمرأة وعبث بإنسانيتها لأنها في الأغلب تتنازل ترهيبا ً وخوفا ً مما قد يقع عليها أو على أبنائها من عنف، غير ذلك من قصص في المحاكم عن حالات القتل بداعي الشرف التي كُشف ماوراءها من مؤامرات طمعاً بممتلكاتها الموروثة.
وإذا كان التخارج عن الإرث يتم بالتراضي لظروف معينة إلا أنه على الناحية الثانية تتعرض فيه المرأة إلى ضغوط اجتماعية متباينة سواء بالمخاجلة والترغيب أو بالإساءة والإيذاء والضرب والتهديد أو الحرمان من الزواج كي لا يذهب المال بزعمهم إلى رجل غريب، هذا غير الحالات التي قتلت فيها نساء بريئات بداعي الشرف بسبب عدم رضوخهن، ما يدعي للنظر إلى القضية بعين القلق.
طالبت الوطنية لشؤون المرأة والمنظمات النسائية وجهات عديدة ، وهو مطلب لا يقبل التفريط، بوقف هذه الممارسات ومنع التصرف بحق المرأة في الميراث دون رغبتها ووفق ضوابط وشروط، وطرحت في هذا المجال بدائل فيما يتعلق بالتخارج عن الإرث كأن يمنع التنازل عن الحصة قبل انتقال الملكية من المورّث إلى الوارث وقبل أن تعرف المرأة قيمة الإرث الحقيقي وبعد فترة زمنية محددة حيث تنقضي مرحلة الصدمة النفسية التي تمر بها الإناث بعد حدث الوفاة،إذ كثيرا ما يتم استغلال هذه المرحلة العاطفية للضغط على الشقيقات أو الأم للتخلّي عن حقهن.
بالضرورة اطلاق حملات توعية للنساء بنظام الميراث والتقسيم الشرعي للتركة، وكان لا بد لتخارج الميراث من قانون ناظم وهو فعلا ماتضمنته المادة 318 من قانون الأحوال الشخصية المؤقت رقم 36 لسنة 2010 والذي جاء كثمرة للجهود ، نتمنى الاسترشاد الحقيقي به.
يبقى سؤال .. ياترى ماهي المشاعر التي تحملها لعائلتها وبيئتها ومجتمعها امرأة أجبرت أو أرهبت للتخلي عن حقّها في الميراث؟.
(الرأي)