الزراعة .. "الفرصة المظلومة"
م.علي أبو نقطة
08-10-2023 08:46 AM
إن الناظر إلى الحضارات السابقة كلها يجد قاسماً مشتركاً بينها وهو أن أساس بنائها واستمرارها كان قدرتها على توفير الأمن والغذاء، لذلك كانت الزراعة على مر التاريخ عنوان الاستمرار والبقاء، ثم جاءت بقية القطاعات التي طورت الحياة وسهلتها كالتجارة والصناعة، واليوم لم تتغير القواعد بل إن الأزمات التي مررنا بها أخيراً أكدت أن "الزراعة" قطاعٌ متفردٌ في الأهمية والحاجة إليه.
ولأننا في حالة اشتباك دائم مع القطاع الزراعي وتحدياته وتطلعاته، نؤمن أن الزراعة في مملكتنا تمتلك "فرصة" يمكن استثمارها والاستفادة منها في توفير الأمن الغذائي لمواطنينا، لكننا على الطرف الآخر نؤمن أيضاً أنها "فرصةٌ مظلومة" وأول وجوه هذا الظلم هو مقارنة نسبة مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي في أحسن التقديرات بما لا يزيد عن (4.5٪) دون الالتفات إلى مساهمتها غير المباشرة وتداخلها مع عديد القطاعات الإنتاجية والخدمية، بالإضافة إلى أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية خصوصاً في المناطق النائية.
الزراعة "فرصةٌ مظلومة" عندما يروج لها أنها تستهلك عالمياً أقل من 68٪ من المياه، وفي الأردن تستهلك ما يزيد عن 70٪ من المياه، ويتم تجاهل أن 26٪ من هذه النسبة هي مياه الصرف الصحي المعالجة والتي لا تستخدم للشرب أو الاحتياجات المنزلية.
الزراعة "فرصةٌ مظلومة" عندما لا تعامل على أنها "أمن استراتيجي" فيتم فرض المزيد من الرسوم والضرائب على مدخلات الإنتاج الخاصة بها، والظلم الأكبر عندما يتم مضاعفتها عند ارتفاع الأسعار فعلى سبيل المثال تم فرض ما نسبته 5٪ كضريبة على الأعلاف وفي السنة الماضية ارتفع سعر مادة الصويا من 200 دينار إلى 500 دينار للطن الواحد وأصبحت الحكومة تستوفي 25 دينار على الطن الواحد بدلاً من 10 دنانير الأمرالذي ضاعف من ارتفاع تكاليف الإنتاج ناهيك عن ارتفاع الأسعار في بلد المنشأ وزيادة أجور الشحن، ثم تفرض الحكومة سقوفاً سعرية للمنتجات عند ارتفاع أسعارها دون النظر إلى الارتفاعات في كل ما سبق.
الزراعة "فرصةٌ مظلومة" في أذهان الحكومات المتعاقبة وفي بياناتها الوزارية المقدمة لمجلس النواب لنيل الثقة، فهي لا تتعدَّ أسطراً معدودة، ولا يمكن أن ننسَ كيف أسقطت إحدى هذه الحكومات القطاع الزراعي كاملاً في بيانها الوزاري تعمداً أو سهواً فالنتيجة واحدة لا اهتمام فيما يعتبر عنوان الأمن الغذائي للدول.
الزراعة "فرصة مظلومة" عندما أقرت الحكومة ذظام الأمن الغذائي الجديد بخلاف ما اقترحت وزارة الزراعة وحلَّ بديلاً عن المجلس الزراعي الأعلى برئاسة دولة الرئيس.
هذا غيض من فيض رغم التوجهات الملكية السامية منذ عهد جلالة الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه الذي طلب في حديثه أمام المؤتمر الوطني من الراعي أياً كانت مسؤولياته القيام بأمرين اثنين الإطعام من جوع والتأمين من الخوف، والرؤى الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للاهتمام بالقطاع الزراعي وإعلان عام ٢٠٠٩ عاماً للزراعة، وتوجيهاته لتحقيق الأمن الغذائي وإعلان الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي لكن واقع الحال يوكد أن الزراعة مازالت "فرصةً مظلومة"
اليوم نعيد زراعة الأمل، ونأخذ المبادرة لقرع جرس الخطر، أن القطاع الزراعي يمتلك فرصاً عديدة لكن واقع الحال "مظلوم" وعلينا جميعاً رفع الجور الذي أصابه بالأخذ على يد الظالم وإفساح المجال له ليأخذ دوره وفرصته لتحقيق الهدف والمأمول منه، وأن نعمل جميعاً بعقلية الشراكة والانفتاح لتجاوز التحديات، وفعلٌ واحدٌ لإشعال شمعة في الظلام خيرٌ وأفضل من ألف كلمةٍ وقصيدةٍ في شتمه ووصفه، وأهل مكة أدرى بشعابها.
*نقيب المهندسين الزراعيين
م. علي أبو نقطة