من كان يظن أن من تحت كل هذا الغثاء ومن خلف سياج الحصار تخرج جحافل المقاومة من غزة مخترقة كل أسوار الصلف والغرور الإسرائيلي لتسطر ملحمة كالتي سطرتها اليوم .
كثيرون هم الذين كانوا مقتنعون أن إسرائيل نمر من ورق ، وأن هزيمتها ليست بالأمر الصعب إذا تحققت الإرادة وصدق الوعد ، وما الحسم معها إلا مسألة وقت ، وأنها لولا الدعم الذي يأتيها سياسيا وعسكريا من الخارج لما استمرت عاما واحدا ، ولولا العجز العربي لما استطاعت أن تنشب أظفارها في فلسطين .
ما يجري اليوم من معركة تاريخية بين المقاومةالفلسطينية في غزة والجيش الإسرائيلي الذي هزم منذ الساعات الأولى للمعركة ، يؤكد أن قوة إسرائيل ليست إلا تلك الصورة الزائفة التي زرعت في عقول العرب ، لكن الماكينة التي زرعت هذه الصورة عند العرب لم تستطع أن تقوم بذلك عند الفلسطينيين ، الذين يقاتلون اسرائيل اليوم ندا لند وهم مكشوفوا الظهر من ذوي القربى ومن كل العالم وهي مدعومة من كل العالم ، لكن الحق أقوى .
لقد سئم الفلسطينيون من حديث السياسة الزائف وحرق الوقت بالتصريحات الفارغة والتنديدات التي لا قيمة لها ، كما سئموا من الانحياز الكامل من العالم للكيان الصهيوني واعتباره ضحية للإرهاب ، رغم كل ما يجري على أرض فلسطين بصورة واضحة لا تقبل الشك تخرج الأصوات اليوم من واشنطن وعواصم الغرب بأنه يجب حماية إسرائيل وأن من حقها أن تدافع عن نفسها وأن ما تتعرض له هو إرهاب .
يعتبر هؤلاء أن قتل الفلسطينيبن وتدمير بيوتهم وتعذيبهم في المعتقلات هو دفاع عن النفس ، أما دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم هو جريمة وإرهاب ، أي عالم متحضر هذا ، إن الذي يطلق هذه التصريحات ما هو إلا صورة عن هولاكو بقناع جديد .
فجر اليوم حرق الفلسطينيون كل أوراق السياسة التي لم يجدوا بها إلا كذبا وتآمرا.
طالما حذر الأردن من أن التعنت الإسرائيلي واستمرار اعتداءاته على الفلسطينيين وانتهاكاته للمقدسات سيؤدي إلى انفجار الصراع بشكل جديد ، ويأخذ منحنى خطيرا وستطال نيرانه كل المنطقة ، ولطالما حذر الملك أن لا استقرار في الشرق الأوسط ما دام الفلسطينيون غير قادرين على أخذ حقوقهم في أرضهم وقيام دولتهم كباقي شعوب الأرض ، وكان آخر تحذير له قبل أسبوعين من على منبر الأمم المتحدة حيث حذر العالم مما تقوم به إسرائيل على الأرض الفلسطينية ، لكنهم صموا آذانهم واستمروا بدعم إسرائيل ومجاملة قادتها الذين يقفون اليوم عاجزين أمام المد الفلسطيني .
لقد أسقط شباب المقاومة الفلسطينية صورة الجيش الإسرائيلي من أعين الإسرائيليين أنفسهم الذين كانوا قد أوهموهم قادتهم بأنهم يملكون جيشا لا يقهر ، وأن الفلسطينيون لا يشكلون أي خطر وجودي عليهم ، وأن مسألة سحقهم مسألة وقت لا أكثر ولا أقل ، وجاءت معركة طوفان الأقصى صفعة لهذا الغرور ، كما جاءت ردا مدويا على الذين يهرولون للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي متجاهلين القضية الفلسطينية وواجبهم تجاهها ، وصدقوا قادة إسرائيل بأن إنهاء القضية الفلسطينية سيكون بهذا التطبيع .
إن العالم اليوم يقف أمام حالة مقاومة نادرة في التاريخ الإنساني ، فالمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها خرجت للمواجهة وهي لا تملك من الإمكانيات ألا القليل تتحدى أكبر قاعدة عسكرية في التاريخ بناها الغرب على أرض فلسطين وفي أحشاء الأمة وسموها دولة .
لقد لعبت إسرائيل بالنار عندما ظنت أنها تستطيع العبث بحرمة الأقصى متجاهلة أهمية هذا المسجد وقدسيته وحساسيته عند أكثر من ملياري مسلم تعبر اليوم عنهم المقاومة الفلسطينية .
نحن كعرب مطلوب منا اليوم صحوة تاريخية ، وصحوة من حلم السلام مع إسرائيل ، لأنه لا سلام مع هؤلاء ، لأنهم بالأصل لا يعترفون بنا ، ويعتبروننا "الأغيار" الذين يجب قتلهم ، إذا كان اليوم الغرب صادقا يدعي العدالة والحفاظ على حقوق الشعوب أن يرفع يده عن إسرائيل حتى تواجه مصيرها بنفسها مع الذين ظلمتهم وقتلت أبناءهم وشردتهم وهدمت بيوتهم .
نتنياهو انتحر بيده عندما ربط مصير كيانه بخرافات المستوطنين وهدم لبنة كبيرة بجدار هذا الكيان الموجود أصلا بلا أساس ، وقام على آلام الآخرين والسرقة تحت أعين عالم منافق يدعي التحضر .
إن صورة المعارك الدائرة الآن في عمق العدو الصهيوني واندحاره أمام ضخربات المقاومة تؤكد كم هو هذا العدو ضعيف ومهزوم من الداخل ، لكن القوم يصرون على معاملته بأنه سيد المنطقة ، فماذا يقولون اليوم بعد أن داست أقدام المجاهدين رؤوس جنوده وضباطه .
هل مازال بيننا من يعتبر الطير الأبابيل من الماضي السحيق ، وهل مازال بيننا من يعتبر إسرائيل قدر لا يمكن محيه ؟!