سكان العقبة غير قادرين على رؤية الشاطئ ناهيك عن السباحة فيه
26-07-2007 03:00 AM
كتب :باتر محمد وردم
قبل أيام راودتني فكرة الذهاب إلى العقبة لتمضية إجازة لمدة ثلاثة أيام في ربوع ثغر الأردن الباسم الوحيد ، وبما أن متطلبات السياحة والراحة تتطلب الوصول إلى شاطئ البحر والنزول في فندق يوفر الخدمات السياحية الأساسية فقد اتصلت هاتفيا بأحد ثلاثة فنادق تمتلك وصولا إلى الشاطئ لأسأل عن قيمة الغرفة وإذا بي أتلقى جوابا صاعقا لأن الغرفة الواحدة تكلف 160 دينارا يوميا مع الفطور فقط. نفس هذا الرقم ولمحض المصادفة هو تكلفة رحلة لمدة 5 ايام إلى شرم الشيخ بالقارب متضمنا الإقامة في فندق خمس نجوم. في العقبة لا توجد وسائل وصول إلى الشاطئ حاليا إلا من خلال ثلاثة فنادق في المدينة يتجاوز سعر الغرفة فيها 100 دينار يوميا وبعض الشاليهات في الشاطئ الجنوبي التي يمكن إستئجارها بمبلغ يصل إلى 75 دينارا ولكن لا تتوفر في شواطئها الخدمات الكاملة. بالتالي فإن الحل المناسب لأي مواطن أردني يستطيع أن يوفر 500 دينار لقضاء إجازة عائلية هو الذهاب إلى شرم الشيخ وحتى إلى تركيا بدلا من العقبة.بالطبع لن تذرف سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ولا شركة "تطوير"العقبة الدموع على قراري بعدم الذهاب إلى العقبة ، ولا حتى لقرارات عشرات الآلاف من الأردنيين لأن الفئة المستهدفة من السياحة الجديدة في العقبة ليست نحن بل رجال الأعمال والسياح من الخارج والسياحة النخبوية وهذا ما قاله بصراحة السيد نادر الذهبي رئيس مفوضية العقبة لمجلة Venture الاقتصادية الأردنية في العدد 13 حيث أكد بأن السياحة في العقبة مخصصة لرجال الأعمال بشكل أساسي وأن السياحة العامة لن تنفع في العقبة It would not work لست أنا ساكن عمان الأردني الوحيد المحروم من فرصة السياحة في العقبة فحتى سكان العقبة أنفسهم باتوا غير قادرين على رؤية الشاطئ ناهيك عن السباحة فيه ، وباستثناء بعض المناطق القليلة التي تواجه ضغطا كبيرا من قبل المستثمرين مثل ساحة الثورة العربية والمقاهي الشعبية في المنطقة الوسطى من العقبة والمحمية البحرية في الجنوب فإن رؤية الشاطي بحد ذاتها باتت تتطلب دفع مبالغ كبيرة. حجم الإستثمارات في السياحة الرفاتهية في العقبة هائل وقد وصل إلى أكثر من 6 مليارات دينار وهي الهدف المطلوب تحقيقه في العام 2020 وإذا به يتحقق الآن.
السياحة المقصودة تتعلق بمجمعات سكنية وفلل للبيع والإستئجار وهي مخصصة للأثرياء فقط ويتم بيعها بمبالغ هائلة وكل المساحات على الشاطئ يتم تخصيصها لغرض السياحة المترفة.
يتم ترحيل سكان منطقة الشلالة الفقيرة إلى مناطق أخرى حيث أن منطقة الشلالة تمثل أفضل هضبة تطل على البحر في العقبة وسوف يتم بيع الأراضي فيها واستقطاب استشمارات بمبالغ هائلة. ولكن المشروع الذي يمثل ذروة الهوس بتوسعة الإستثمارات السياحية هو مشروع نقل الميناء إلى الشاطئ الجنوبي.
هذا المشروع سوف يكلف 3 مليارات دولا ر ويتم بطريقة البناء والتشغيل والبيع بالشراكة مع القطاع الخاص.
النقطة الأساسية في هذه المعادلة أن الأرض التي يقع فيها الميناء الرئيسي وميناء الحاويات هي أرض ذات قيمة عقارية وسياحية عالية ومن المفترض أن يتم استخدامها فقط في السياحة. ولهذا سوف يتم تفكيك الميناء بكل معداته وبناء ميناء جديد في المنطقة الجنوبية وهذا سوف يعني تدميرا تاما وشاملا لكل ثروة المرجان في المنطقة الجنوبية والتي تمثل مصدر الإستقطاب الرئيسي للسياحة الحالية إضافة إلى تلوث هوائي كبير بسبب عمليات التفكيك والإنشاء وهو بكل بساطة مشروع غير منطقي بكل المقاييس باستثناء مقياس هاجس التوسع السياحي وبيع مجمعات سكنية جديدة بمبالع طائلة.
خلال سنوات قليلة سوف تصبح العقبة منطقة مغلقة على الشعب الأردني باستثناء الأثرياء ، وسوف يصبح البحر والشاطئ الساحر في العقبة عبارة عن ماض جميل يتذكره الناس وحتى سكان العقبة أنفسهم سوف يفقدون فرصة التمتع بالثروة الاساسية في مدينتهم الفريدة.
هناك حالة من الإنعزالية والتباعد تنشأ ما بين سكان العقبة والعاملين فيها من خارج المدينة ، وهناك حالة من الفوارق الطبقية منتشرة بكل وضوح ما بين الطبقات الفقيرة وخاصة سكان العقبة الأصليين وما بين أصحاب الثراء السريع.
ويجد سكان العقبة أن كثيرا من العادات والطقوس التي تحكم سلوك الناس قد تغيرت ، فالمناطق المفتوحة الشعبية البسيطة التي توجد في قلب المدينة أو على مقاهي الشاطئ التي يرتادها جميع أهل العقبة أصبحت هدفا رئيسيا للمستثمرين لابتلاع هذه المناطق وإقامة منشآت حديثة مبالغ فيها لا يقدر سكان العقبة على الاستفادة منها ، وإذا استمر هذا الحال سيجد سكان العقبة أن المدينة لم تعد لهم بل لأصحاب رؤوس الأموال فقط.
والزائر لمنطقة الحفاير مثلا يشاهد التناقض الكبير في أهداف التحديث ، فقد تم إزالة المئات من أشجار النخيل التي كانت تعتبر بمثابة هوية ثقافية وطبيعية للعقبة وتم بناء طرق ومسارات للسيارات والمركبات بدون أن يكون لها داع على الإطلاق ، فالتحديث ليس هو المطلوب في كل الأوقات وفي كل الأماكن بل لا بد من أخذ الخصائص الثقافية والطبيعية التاريخية بعين الاعتبار وإقامة منشآت سياحية أو ترفيهية بسيطة تعتمد على المزايا الثقافية والطبيعية للمدينة ، وكل من زار تونس مثلا يعرف كيف اعتمدت تونس في تطوير شواطئها والنشاطات السياحية فيها على الخصائص التراثية لا على الفنادق الضخمة. لا بد أن يتوقف هذا التوجه وأن تتم ممارسة ضغوطات لوضع نهاية لهذا المسار والخطوة الأولى هي في منع مشروع نقل الميناء والذي يمثل الرمز الأول للتغيير الجذري في هوية العقبة إضافة إلى حماية المناطق الشعبية التي تمثل متنفسا لأهالي العقبة ورموزا تراثية لتقاليد المجتمع في العقبة.
أن المقاهي البسيطة المتناثرة على الشاطئ الأوسط للعقبة ومن اشهرها مقهى الغندور هي ذاكرة المدينة وتحمل ذكريات كثيرة لمئات الآلاف من الأردنيين ممن زاروا العقبة وقضوا ساعات في هذه المقاهي المطلة على البحر والتي تمثل روح العقبة الحقيقية المهددة بالضياع.
ربما يحتاج الأمر إلى حركة وطنية أو حتى جمعية للحفاظ على العقبة يكون هدفها الرئيسي تجميع جهود كل الأردنيين ممن يؤيدون أن تبقى للعقبة بعض ملامحها القديمة الجميلة والتي كانت متاحة للناس العاديين وأن يقفوا في وجه التوسع المتغطرس لسياحة الترف والرفاهية قبل أن نقول جميعا وداعا للعقبة وتصبح قطعة من الأردن مخصصة فقط للأثرياء واصحاب الدخول العالية ورمزا للطبقية الاجتماعية في الأردن.
*المقال نقلا عن الزميلة الدستور