وقف «المهاتما غاندي» ذات يوم مخاطباً وزير المستعمرات البريطانية آنذاك « ونستون شيرشل» قائلاً «... لا تقفوا بوجه شعب لم يعد لديه ما يخسره...». أستذكر ذلك وانا، كغيري، أرى وأسمع ما آل إليه الحال في مصر المحروسة، من تغير «دراماتيكي» أفصح للقاصي والداني، وبما لا يجعل مجالا للشك، بأن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها او الوقوف بوجه مطالبها الشرعية. وفي نفس الوقت أثبتت ألأحداث بأن مشروعية أي كان لا يمكن أن تأتى من جلادي هذه الأمة وممتهني كرامتها، بل تستقى من زنود الشعوب وثقتها بأولي أمرها والقائمين على عصمة حالها. فالغرب لا يمكن أن يقف مع من لا مكان له في وجدان شعبه.
وفي أكثر من مكان، ومن على صفحات الرأي الغراء، وكغيري، حذرنا من تسونامي الإصلاح والتغيير الذي قد يجتاح وطننا العربي في أي لحظة، وأن عجلة الزمن ليست في صالح من يراهن على الغرب ومصادر المعلومات، التي عادة لا تجرؤ على إيصال الحقيقة للمعني. وها هو الشعب العربي المصري يبدأ بخط ثوابت مستقبله بنفسه، بعيداً عن رهانات المجهول وعالم الأحلام والتمنيات، والإعتماد على بعض المنابر الإعلامة التي تنقل الصورة كما هي.
لقد إستطاع الشعب العربي المصري وبطريقة حضارية، القفز على أكثر من ثلاثين عاماً من الإغتراب القومي والإستلاب الحضاري الذي أصاب القلب النابض للأمة العربية- مصر- في مقتل، أن يتصدر التغيير، وتحديداً شبابه، ويعيد لمصر دورها الذي قطعً منذ أكثر من ثلاثة عقود. ويعلن عودة مصر كرائدة للنضال القومي وقائدة النهوض العربي، كما كانت ذات يوم منذ عمرو بن العاص مروراً بـــ « قطز» والعز بن عبدالسلام وصولاً إلى جمال عبدالناصر. ولأول مرة منذ أن غرس في وجداننا، على الأقل جيلنا، بأن 99 في المائة من الحل في يد أمريكا، نسمع نشيد «والله زمن يا سلاحي»، الذي تاقت مسامعنا لسماعه.
لقد تعاملت مصر،الشعب، «شيباً وشباباً»، بجيشها العظيم وإرثها وتراثها المتجذر، مع التغيير بطريقة حضارية وغير مسبوقة في تاريخنا العربي الراهن، ووصلت إلى أهدافها المشروعة دون دماء، وبعيداً عن ثقافة الإنتقام والتشفي. وضربت مثلاً للآخرين، بأننا معشر العرب والمسلمين، أصحاب عقيدة وفكر وحضارة في تعاملنا مع الآخر، ولا يمكن أن نحيد عن تجسيد المعاني السامية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية، والأعراف النبيلة لأمتنا العربية وقيمها الإنسانية.
والآن، لا بد من مراجعة ذاتية، لأخطاء الأمس وهفواته من أجل تجنبها، وتعزيز الإيجابيات، إن وجدت، حتى نصل إلى بر الآمان، من أجل تعميق مفهوم التغيير للأصلح، الذي يعني العدالة مع الآخر وإنصافه، وبطريقة بعيدة عن مفاهيم العولمة سيدة العقود الماضية والتي إتسمت بالفساد وديكتاتورية الفرد والبعد عن الشفافية وإمتهان كرامة الآخرين وإقصائهم.
نحن الآن أمام مرحلة جديدة من التأريخ العربي، إختارها الشعب العربي المصري، وأي إنتكاسة في طريقها أو تعثر في منهجها، لا قدر الله، سينعكس على الوجود العربي برمته من المحيط للخليج.
ونحن في الأردن، منذ بيعة الشعب الأردني لعبدالله الأول رحمه الله حتى عبدالله الثاني أطال الله في عمره، ما زلنا على العهد، مؤمنين بأن الأردن بقيادته الهاشمية مشروع قومي وحدوي، وجد من أجل خدمة الأمة العربية والدفاع عن مصالحها الحيوية، وبالتالي فإننا مع خيارات الشعب العربي المصري الوحدوية والتحررية.
alrfouh@hotmail.com
الرأي