في رواية الطاعون لألبير كامو, يقول احد شخوص الرواية, انه ضجر واصابه الملل من قطعة موسيقية تدار على مدار اللحظة في منزل جاره، وحين التقاه سأله عن السبب، وهل هي موسيقى عذبة وعبقرية الى الحد الذي يدفعه الى الاصغاء اليها طيلة النهار والليل, لكنه فوجئ بإجابة جاره الذي قال له انها عادية وليست استثنائية بأي مقياس لكن كل ما في الامر انه لا يملك غيرها.
هناك كثيرون يشبهون الى حد بعيد, هذا الشخص, حتى بدا كأن المجتمع كله لا يملك الا تلك النخبة, التي نتداورها في كل وقت وحين, بل وصل الامر الى الافكار والحلول, فنحن لا نمتلك سوى حل واحد او طريق واحدة, او فكرة واحدة, تطغى على المسؤول في الحزب او في السلطة او في اي مجال حيوي او اجتماعي, فنحن لا نملك سوى تلك القطعة من الموسيقى.
صار المسؤول ثابت كمسمار في الجدار, وصارت الافكار مجترة, الى حد ان اي مواطن يمكنه توقع اجابة مسؤول عن سؤال في الذرة او الكيمياء او الاقتصاد, او سؤال موغل في المحلية, فلا احد يريد ارهاق نفسه حتى بالاستماع الى طريق جديد او فكرة جديدة, وحتى لو سمعها فسرعان ما يبدأ في وضع العراقيل امامها وامامه, دون ادنى خشية.
تغيرت المعرفة وانماط الادارة, وهؤلاء ما زالوا يسكنون كهوفهم, واصاب زمنهم التخثر, والخشية ان تنسد الشرايين وتكون السكتة او الجلطة في اوج قدومها, ونحن نسكن نفس اللحظة ولا نسعى الى تغيير المصير, فقد توقف الزمن عند عقارب ساعته, لكن توقف عقاربه عن الدوران لا يوقف الزمن، ومن يصر على ان التاريخ توقف عند حدث ما او ظهيرة, ما يفقد التاريخ والحاضر معا، وقد يتمدد هذا الفقدان الى المستقبل.
نقول لمن لا يملكون غير بضع عبارات اهترأت من التداول وليس لديهم غيرها, ان للاجترار حدودا، ومن ليس لديه ما يهديه من الخيل والمال عليه ان يسعد الناس بالنطق وهذا اضعف الايمان.
اخيرا يبقى تكرار عزف قطعة موسيقية حتى لو كانت عادية محتملا لكن ما لا يمكن احتماله هو هذا الاجترار.
*هذا مقال سريع ومختصر, استماعا واحتراما لنصيحة قارئ نهم وشخصية وازنة تلقيتها من دولة الدكتور عبد الله النسور المحترم.
omarkallab@yahoo.com
الرأي