لم تنجح مغامرات العسكر في الوثوب إلى السلطة وإدارة شؤون الدول في العالم العربي على الإطلاق على مدى عقود ماضية، وان اغلب الدول العربية التي قفز إلى مراكز الحكم فيها عسكريون تعاني اليوم من غياب الاستقرار ومأسسة السلطة من حيث توليها ومغادرتها على أساس الدساتير والمشروعية القانونية.
ففي السودان كمثال حي ومعاش ارغم العسكر د.حمدوك الذي كلف برئاسة حكومة مدنية كان قد تولى رئاستها بناء عل توافق القوى السياسية إبان وبعيد الثورة على نظام عمر البشير والاطاحة به.... وموافقة مجلس السيادة برئاسة البرهان وزميله آنذاك حميدتي، وطوال فترة لم تمتد كثيرا كان واضحا اختلاف الأهداف السياسية والنوايا والرؤى بين العسكر وحكومة د.حمدوك الذي كان يصبو إلى ممارسة مسؤولياته كحكومة مدنية وبالشراكة مرحليا مع المؤسسة العسكرية او ما يسمى مجلس السيادة إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ووضع دستور دائم كما كانت تسعى مختلف القوى السياسية والمجتمع المدني لتحقيق ذلك والتخلص من الإرث الثقيل الذي خلفته حقبة حكم عسكري طويل امتدت لعقود.
وهكذا ركب صهوة الحكم كلا من البرهان وشاركه حميدتي بعد ارغامهما د.حمدوك على الاستقالة وحرمان السودان وشعبه العظيم من ان يبنى تجربة ديموقراطية تليق به وتلبى مطالباته وتضحياته لتحقيق هذا الإنجاز الذي كافحت لأجله مختلف الفئات والشرائح المجتمعية والسياسية.
وبدلا من ذلك اختارا طريق الاحتراب والصراع المسلح الذى حرق السودان وهجر معظم شعبه إلى دول الجوار وسمح للقوى الإقليمية والدولية ان تتدخل في الشأن السوداني وأصبحت سيادته ووحدة أراضيه واقليمه في حالة وهن وضعف شديدين ... ولننظر إلى مختلف الأقطار العربية التي تعاني اليوم الأمرين من واقعها سياسيا واقتصاديا وخدماتيا ومن تدخلات دولية مكشوفة في شؤونها الداخلية.