الحرب الأهلية في الحزب الجمهوري
خالد قشوع
04-10-2023 02:13 PM
لم يكتفِ كيفن مكارثي بدخوله التاريخ بعد أن تم إنتخابه كرئيس لمجلس النواب الأمريكي في يناير الماضي بعد 15 جولة تصويت، حيث قام على مدار خمسة أيام بمحاولات توحيد الصفوف في حزبه ترغيباً وترهيباً إلى أن تم إنتخابه كرئيس للمجلس في مشهد سياسي سريالي محرج لم تشهده الأمة الأمريكية منذُ مئة عام.
لقد حجز مكارثي لنفسه سطراً آخر في التاريخ السياسي الأمريكي المعاصر، كأول رئيس مجلس نواب أمريكي يتم إقالته من منصبه. مما يشكل سابقة سياسية لا تُعرف عواقبها بعد.
لماذا سقط مكارثي؟
يعد مكارثي جمهوري محافظ مخلص لحزبه ويشبه في لونه السياسي التيار المعتدل في الحزب الجمهوري الذي يتزعمه ميت رومني، وعلى الرغم من هذا فالرجل لم يكن إلا داعماً مخلصاً لترامب عندما كان رئيساً، فقد كان خيارهُ دائما ولآخر لحظة هو الحفاظ على وحدة الحزب الجمهوري مهما كانت التكلفة.
لقد تخلل طريق مكارثي إلى سدة رئاسة مجلس النواب الكثير من العقبات التي كانت تُنبئ بأن رئاسته للمجلس ستكون مرهونة بأيدي الأقلية المتطرفة من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه. حيثُ كان سقوط مكارثي إحتمالاً وارداً وإن كان بهذه الطريقة فليس بتلك السرعة.
ومما عجل في عملية سقوط مكارثي هو تعاونه مع إدارة بايدن في الكثير من مشاريع القوانين التي نجح الأخير في تمريرها من خلال توافق بين أعضاء الحزبين في الكونغرس، ولعل أشهرها إتفاق رفع سقف الدين في يونيو الماضي الذي جنب الحكومة الفيدرالية تخلفها عن سداد ديونها، وقد نجح الإتفاق الأخير بين مكارثي وبايدن قبل أيام في تمديد مدة التفاوض فيما بينهما لمدة 45 يوماً مما حال دون إغلاق الحكومة الفيدرالية وهي كارثة إخرى إستطاع فيها مكارثي تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، ولكن بالتأكيد لم يخلو الأمر دون حصول الجمهوريون على جوائز ترضية لم تكن على ما يبدو ترقى لطموحات الجناح المتطرف من الحزب الجمهوري المدعو "بالميجا".
بوصلة الحزب الديمقراطي
لقد تم عزل مكارثي بأغلبية أصوات ديمقراطية ولم تشكل أصوات الجمهوريون الذين صوتوا ضد مكارثي أكثر من 11 صوتاً، ويبدو أن مكارثي قد رفض تقديم أي تنازل للديمقراطيين للبقاء في منصبه مما جعلهم يتركونهُ في مواجهة قدره المحتوم دون تفكير إستراتيجي سويّ.
إن بقاء السياسي المخضرم مكارثي كرئيس للمجلس كان أصلح للحزب الديمقراطي من مغامرة نعلم جيداً بدايتها ولكن لا أحد يعلم نهايتها، فإذا لم يكن عزل رئيس مجلس النواب الأمريكي كسابقة سياسية أمراً مثيراً كفاية، فإن الأسماء المطروحة لخلافة مكارثي وحدها تثير الدهشة، ونعم إن أول تلك الأسماء هو الرئيس السابق دونالد ترامب الذي قد يعود لنا على هيئة رئيس مجلس نواب، ونعم لا يوجد في الدستور الأمريكي ما يشترط أن يكون رئيس مجلس النواب الأمريكي عضواً فيه! .
لاشك أن فكرة عودة ترامب للمشهد كرئيس لمجلس النواب الأمريكي تُثير الدهشة، ولكن يجب ألا ننسى أن مكارثي كان يُحضر لإجراءات عزل بايدن في أواسط سبتمبر المنصرم، واليوم رحل مكارثي وبقي بايدن.
الحزب الجمهوري ماذا بعد، أشرتُ في مقال سابق قبل أشهر حول أهمية ترتيب البيت الجمهوري واليوم يحصد الجمهوريون ثمن إصطفافهم خلف ترامب الذي قسم الحزب، وأنتج جناحاً متطرفاً موالياً له، مما جعل من مهمة إنتقاء مرشح جمهوري للرئاسة قادر على هزيمة بايدن أمراً بعيدَ المنال.
بالرغم من أن الحزب الديمقراطي ليس في أفضل أحواله على الإطلاق إلا أن نجاحهُ في الملفات التي ينجزها يرتبط إرتباطاً جذرياً، بتشتت الحزب الجمهوري وإستنزاف رصيده السياسي في حروب أهلية داخل الحزب تجعل من البيت الأبيض جزيرة أمنة بعيدة عن كل ريح جمهورية.