إعلاميون ومعضلة اللغة العربية
خميس خليفة اللوزي
02-10-2023 09:25 PM
تظلُّ اللّغةُ في أيِّ مجتمع عاملَ بقاءٍ لهذا المُجتمع وازدهارهِ، ونقلَ مَعارفهِ إلى الأجيال القادمة. وحَصلَ أنْ تلاشت بعضُ الأمم، نتيجةَ تلاشي لُغتِها، ضمن التلاشي الناتجِ عن عدمِ العدالة، والغلو، والحروبِ والأمراض. وللُغةِ العربيّة خصوصيةٌ واضحة، فهي تحمل الفنون والبلاغة والجمال في معانيها، وهي لغةُ القرآن الكريم، ولغةُ الرسالة، وهي عاملٌ مُهمٌ لتوحُّدِ العرب والمُسلمين، ولقد بقيت هذه اللّغةُ صامدةً في وجهِ العديدِ من التحديّات.
واليومَ تواجهُ اللّغةُ العربيّة معضلةً جديدة تشكَّلت بوجودِ الإعلاميين الحديثين وأدواتِ التواصل الاجتماعي، وتهافتِ الإعلاميين على وسائل الإعلام، دونما معرفةٍ باللّغة السليمة، أو حتى نُطق الحروف، بل وفي ضعفِ معرفةِ الطالب في المُستوى الجامعي للنُطقِ السليم لتلك الحروف ومخرجاتها، تماماً كما هي عدم قدرتهِ على كتابة موضوعٍ مقاليّ، أو انتقاء المصطلحات العربية الجميلة، وانتقلوا إلى تكسير مقومات اللغة العربية الأصيلة سواءً بجهل أو بقناعة غريبة باعتقادهم أنهم ملمون كل الإلمام بمكونات اللغة العربية الأصيلة، بل أثر ذلك على جمالياتها وعلى أذن المستمع الذي بات يمل سماع التراهات، والألفاظ غير العربية الدخيلة والتي أضحت جزءاً من الثقافة الاعلامية المرئية والمسموعة. والتي تبدو من غير ضوابط ولم تستقر بعد على صورة واضحة فهي تتجاوز ذاتها كل يوم في وسائل الإعلام، وتأتي بألفاظ جديدة واستخدامات لغوية مُخترعة، وتتطور بلا حدود أو قيود مما يُخشى معه بعد تحطيمها قواعد الفصحى أن تكون من غير قواعد ضابطة لها، فهي تعتمد على المحكيات من اللهجات المحليّة، وعلى المترجمات من الألفاظ والأساليب وعلى التبسيط والاستسهال في البناء اللغوي بحجة التواصل مع الجمهور وإيصال الرسالة الإعلامية بلغة يفهمها ويتفاعل معها. كما يبدو أن الإعلام ضاقت عليه العربية الفصحى بما رحبت، فصارت لا تحلو على لسانه إلا الکلمات العامية التي لاشک أن شيوعها في أجهزة الإعلام، ومن ثم بين الجماهير لا يتم إلا على حساب الفصحى، وفي هذا إهدار للغة الأم وعدم اهتمام بأصولها وقواعدها، ففي وسائل الإعلام تتداخل العامية مع مفردات الفصحى تداخلا جعل حال اللغة فى إعلامنا المعاصر، ينطبق عليه قول ابن حزم :" واعوجاج اللسان دلالة على اعوجاج الحال " فقد انحدرت اللغة على ألسنة بعض الاعلاميين انحداراً لغويا شديداً إذا ما قارناه بإعلاميينا القديمين الذين أضافوا للغة العربية جمالاً وعبقرية في استخدامها والتلاعب السليم المدروس بألفاظها، أمثال ابراهيم الذهبي، محمود الشاهد، عائشة التيجاني، سوسن تفاحة، اسحق المشيني، منير جدعون، ابراهيم شاهزاده، عدنان الزعبي، عساف الشوبكي وعفاف قضماني، سلوى حداد، جبر حجات وغيرهم من الأسماء العريقة التي كنا نستمع لها ولخبراتها ولإلمامها باللغة العربية عندما كانت اللغة العربية الفصيحة أساساً للإعلام، ولرسالة الجميلة التي أنهاها السيد عساف الشوبكي أطال الله في عمره من خلال كلماته المنتقاة بعناية في حديثه أمام الجمهور المثقف، حاملاً الصوت الإذاعي الذي لا ينسى.
أدعوا كل الاعلاميين والمسؤولين الى الاستفادة من خبرات آخر عباقرة اللغة الإعلامية واللغوية السيد عساف الشوبكي والتوجه إلى تعلم اللغة العربية الفصحى، والابتعاد عن إيذاء السمع وإنحدار الثقافة العربية الأردنية الأصيلة، وأدعوا المعنيين إلى إجراء امتحان إجازة للغة العربية لجميع الإعلاميين، لنكتشف وللأسف بأن أكثر من ثلثيهم سيفشلون في تخطي هذا الامتحان، وبالتالي سنبقى مضطرين إلى سماع المنسوخ من اللغة المكتوبة على الشاشة، والتي أثرت تماماً على مهارات الإعلاميين، وأبعدتهم عن التحرير الصحيح والقراءة اللفظية الجميلة التي اندثرت بوجود الإعلاميين الجدد.
وأختم في قول الشاعر أحمد شوقي: إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد